- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثانية
ذكرنا في الحلقة الأولى كيف أن الرعايةُ الصحيةُ لم تسلم مِنْ جَوْرِ الرأسماليةِ، ولمْ تَنْجُ منْ أنظمتِها وطريقةِ عيشِها، وأنها أضْحَتْ أداةً لأصحاب رؤوسِ الأموالِ، يستغلونَها - كما استغلُّوا كلَّ شيءٍ - لمصِّ دماءِ المرضى الضعفاءِ وأموالهِم، ولإشباعِ جَشَعِهِمْ وَنَزَوَاتِهِمُ التي لا تشبعُ.
وفي هذه الحلقة سوف نعرض عن القسم الأول من الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية، لكن بداية نعرف ما هي الرعايةُ الصحيةُ: هيَ القيامُ على صحةِ الرعية بمراقَبَتِها وحِفْظِها وتَدبيرِ شُؤُونِها بما منْ شَأْنِهِ أنْ يوصِلَ إلى العافيةِ الجسديةِ والسَّلامةِ النفسيةِ. وهيَ تشملُ الوقايةَ منَ الأمراضِ قَبْلَ أنْ تَقَعَ، ومتابعتَها وعلاجَها إنْ وَقَعَتْ، سواءٌ على صعيدِ الفردِ أوِ المجتمعِ.
وقدْ جعلَ الشرعُ الرعايةَ الصحيةَ منْ مسؤوليةِ الدولةِ والخليفةِ مباشرةً، فقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): "الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، رواهُ البخاريُّ. فالصحةُ منَ الحاجاتِ الأساسيةِ للرعيةِ، حيثُ إنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، رواهُ الترمذيُّ وابنُ ماجه بسندٍ حَسَّنَهُ الألبانيُّ، جاعلاً الصحةَ حاجةً أساسيةً كالقوتِ والأمنِ. كما أنَّ عدمَ توفيرِ الرعايةِ الصحيةِ للرَّعِيَّةِ يُؤَدِي إلى الضررِ، وإزالةُ الضررِ واجبةٌ على الدولةِ، قالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ".
ويمكنُ تقسيمُ الرعايةِ الصحيةِ في الدولةِ الإسلاميةِ إلى قسمينِ:
أولا: الرعايةُ الصحيةُ النفسيَّةُ: إن الصحةَ النفسيةَ مرتبطةٌ بتوفُّرِ الحاجاتِ الأساسيةِ للأفرادِ، وهيَ المأكلُ والملبسُ والمسكنُ، فبقاءُ هذهِ الحاجاتِ دونَ إشباعٍ يُؤَدِّي إلى الهلاكِ، وإشباعُها إشباعًا جُزئيًا يؤَدِّي إلى القَلَقِ النَّفْسِيِّ أوِ الاكْتِئابِ أحيانًا.
وقدْ جاءتْ تقاريرُ الغربِ نفسِهِ تكشفُ اللثامَ عنْ إفسادِ الرأسماليةِ للصحةِ، حيث أشار تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، إلى أنَّ قضيةَ الصحةِ الرَّئِيسَةَ في إنجلترا والولاياتِ المتحدةِ وكندا هيَ الأمراضُ العقليةُ والنفسيةُ. وأنه منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، تسببت السياسات التي عززت الانقسام وعدم المساواة والعزلة الاجتماعية، بضرر واسع للصحة العقلية للمواطنين حول العالم".
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، 2019/4/12 أن نتائج بحث نفسي أجرته على الأشخاص الموجودين في مناطق صراعات مسلحة وحروب، أظهرت أن 20% منهم يعانون إما من الاكتئاب أو القلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة أو الاضطراب ثنائي القطبية أو انفصام في الشخصية، وأن هذه النتائج تسلط الضوء على التأثير بعيد المدى للأزمات الناجمة عن الحرب في بلدان مثل أفغانستان والعراق وجنوب السودان وسوريا واليمن.
كما أشارت إلى أن في عالم اليوم أكثر من 300 مليون إنسانٍ مصاب بالاكتئاب، وأنَّ حوالي 800,000 شخصٍ منْ هؤلاءِ المكتئبينَ ينتحرونَ كلَّ سنةٍ. وأن الانتحار هو الآن السببُ الرئيسي الثاني للوفاة بالعالم بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، أو التوجه إلى حياة الجريمة. كما أن الفصام يصيب أكثر من 21 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم، نصفهم لا يحصلون على رعاية لهذه الحالة.
وهكذا يتبين لنا أن نسبةَ الأمراضِ النفسيةِ تتلاءمُ باطرادٍ معَ مقدارِ تطبيقِ الرأسماليةِ كنظامٍ في البلدِ، ومقدارِ إيمانِ الأفرادِ بها كمبدَأ
نكتفي بهذا القدر وإن شاء الله نكمل معكم في الحلقة التالية: كيف تتعامل الدولة الإسلامية في مجال الصحة النفسية.
جمع وإعداد: راضية عبد الله