- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الحادية عشرة
لا زلنا نتناول الأمور الواجب على الدولة أن تقوم بها للحفاظ على بيئة نظيفة، ومع الأمر الرابع وهو:
الصرف الصحي:
الصرف الصحي هو الإدارة السليمة بيئيا وصحيا للنفايات، وهو يشمل تصريف مياه المجاري والأمطار... ومعالجة مخلفات الصناعة والزراعة على نحو يحمي البيئة وصحة الرعية من تأثيرات هذه الفضلات.
وتكمن أهمية الصرف الصحي في الضرر الجسيم الذي يمكن أن يسببه سوء الإدارة في هذا المجال على التوازن البيئي وصحة الجماعة، فالتقديرات تشير إلى أن 88% من العبء العالمي للأمراض يعزى إلى إمدادات المياه غير المأمونة وانعدام الصرف الصحي والنظافة الصحية. ويعيش 2.6 مليار شخص في العالم - منهم مليار طفل على وجه التقريب - في ظل انعدام القواعد الأساسية للصرف الصحي. وتشير التقارير الغربية إلى أن طفلا واحدا يفارق الحياة كل عشرين ثانية نتيجة رداءة الصرف الصحي، أي ما يقارب 1.5 مليون وفاة سنويا.
لذلك كان من الواجب على الدولة أن تهيئ شبكات للصرف الصحي في التجمعات السكنية لتصريف مياه المجاري والفضلات، وأن تقوم أيضا بإنشاء مراكز لعلاج هذه الفضلات، بدفنها أو حرقها أو إعادة تدوير النفايات غير النجسة منها واستغلالها مجددا، من باب رعاية الشؤون ومنع الضرر. ومن هذا الباب أيضا ينبغي أن تكون المزابل ومراكز معالجة الفضلات بعيدة عن التجمعات السكنية وموارد المياه.
وكلنا تابع مشكلة النفايات في لبنان كمثال حي، والتي إلى الآن لم تجد لها حلاً كافياً وكل ما تقوم به السلطات هي حلول ترقيعية باختيار مطامر للنفايات مؤقتة وعلى أراضٍ يمتلكها أفراد جبراً عنهم، لتصبح تلك الأراضي غير صالحة للاستعمال لاحقا، وبعد مرور وقت لا تعود تلك الأراضي قادرة على استيعاب الكميات الهائلة من النفايات، فتعود المشكلة إلى الظهور لاحقا وبوتيرة أكبر وأشد، كل ذلك يظهر عدم اهتمام الحكومات المتلاحقة بشعبها وما تعرضت لها صحة أجسامهم من أمراض ومضاعفات، وما تعرضت لها البيئة من تلوثات.
أما بالنسبة لما نراه من إعادة تدوير الفضلات النجسة كالبراز والبول وغيرها وتحويلها إلى مواد نقية لاستعمالها مجددا، فهذا لا يجوز شرعا، لأن النجاسات لا يحل الانتفاع بها مطلقا، لا بالاستعمال ولا بالبيع ولا بالإهداء ولا بالإرث، ولا تعد مالا محترما مقوما شرعا، باستثناء جلد الميتة بعد دباغه، لورود النص باستثنائه، فقد جاء في السنن الكبرى للبيهقي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "طهور كل إهاب دباغه"، وقال البيهقي أن رواته كلهم ثقات.
وعليه فإن ما تقوم به بعض الدول من تقطير الأبوال والعذر كمياه مجاري المدن لتستخرج منها الماء المقطر لاستعماله والانتفاع به هو حرام لا يجوز للمسلمين أن يفعلوه، بل الواجب التخلص من هذه النجاسات بدفنها أو حرقها... وإذا رأت الدولة الإسلامية أن التخلص منها بعد تحويلها إلى مواد أساسية هو أفضل للبيئة وإبعاداً للضرر عن الرعية، كتحويلها إلى مياه مقطرة ثم إعادتها للبحار أو دفنها، إذا رأت ذلك، فإنه يجوز للدولة هذا الفعل بالفضلات النجسة للتخلص منها وليس لاستغلالها أو استعمالها. وذلك لأن الحرمة واقعة على الانتفاع بالنجاسة، أما مجرد تكريرها للتخلص منها دون الانتفاع بها، بل لإزالة الضرر الناتج عنها، فلا حرمة فيه.
جمع وإعداد: راضية عبد الله