- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة الثالثة عشر
بعد أن عرضنا في الحلقات السابقة المجال الأول من مجالاتِ الرعايةِ الصحيةِ العامةِ في الدولةِ الإسلاميةِ (حماية البيئة) والأمور المتعلقة بها، نكمل بالمجال الثاني وهو:
2- البيطرة:
البيطرة هي معالجة الدواب: فوظيفة البياطرة الأساسية في الدولة هي الحفاظ على جودة الإنتاج الحيواني وتكثيره. إلا أن كون الثروة الحيوانية مصدرا من مصادر الغذاء، وكون بعض الأمراض الحيوانية قد تنتقل إلى الإنسان بطرق مختلفة وتؤثر على صحته، مثل انفلونزا الخنازير، وخدش القطط والجمرة الخبيثة وآخرها كورونا، فهذا يجعل وظيفة البيطار تشمل أيضا مراقبة صحة الحيوانات ومنع الأمراض الناتجة عنها. ولذلك تهتم الدولة الإسلامية بإنشاء جهاز خاص من البياطرة يكون تابعا لدائرة الزراعة باعتبار وظيفته الأساسية، ومرتبطا بدائرة الصحة فيما يخص الجوانب التالية:
أ- يراقب جهاز البيطرة جميع المزارع الحيوانية وحدائق الحيوانات التابعة للدولة أو للأفراد، ويخصص لكل مزرعة أو مجموعة مزارع بيطارا يهتم بمراقبة ومتابعة صحة الحيوانات فيها، وأساليب تربيتها وتنميتها فتمنع الدولة ما يضر منها بصحة الرعية ممن يتناولون منتجات أو لحوم هذه الحيوانات. ويقوم هذا البيطار بتطعيم الحيوانات أو الدواجن ضد الأمراض التي قد تنتقل إلى البشر، أو تؤثر في الإنتاج الحيواني. وإذا شخص مرضا معديا أو مؤثرا على الإنسان في أحد المزارع يتوجب عليه أن يخبر دائرة الصحة ودائرة الزراعة، حتى تقوما بالاحتياطات اللازمة لمنع انتشار المرض ولعلاج المصابين. أما إذا شخص مرضا يؤثر فقط في الإنتاج الحيواني أو جودته فإنه يرفع الأمر إلى دائرة الزراعة فقط.
ب- يقوم جهاز البيطرة ومن باب وجوب إزالة الضرر بعلاج الآفات الحيوانية التي تنتقل إلى البشر كالبعوض والذباب والقوارض والضواري، فتسبب أمراض الملاريا والطاعون وداء الكلب وغيرها من الأوبئة. وتتخلص منها بأنجع الطرق وأقلها تأثيرا على البيئة وصحة الرعية.
ج- تخصص الدولة بياطرة يراقبون صحة الحيوانات البرية ويطعمونها ويعالجون الأمراض التي تصيبها وذلك لمنع انتقال الأمراض إلى الحيوانات الأليفة أو الإنسان، وبذلك تحافظ على الدورة الحياتية وميزان الطبيعة.
د- تجربة الأدوية على الحيوان من أجل البحث العلمي الطبي وتطوير الأدوية والطرق العلاجية قبل استخدامها لعلاج البشر، وذلك لفحص فعاليتها أو ضررها المحتمل قبل إعطائها للإنسان، وهو هنا جائز شرعا، فالله سبحانه وتعالى سخر كل ما في الكون للإنسان، ومنه الحيوانات، إلا أنه لا يجوز تعذيبها فقد نهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تعذيب الحيوانات، والأدلة على ذلك عديدة، ففي الصحيحين عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ". وقصة الجمل الذي ذرفت عيناه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يشتكي إليه مالكه بأنه يُجيعه ويُدئِبُه، فطلب النبي من مالكه أن يتقي الله فيه.
كذلك نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن قتل الحيوانات عبثا، فقد روى النسائي والحاكم وصححه مرفوعا: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُوراً فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلا سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟"، قَالَ: "يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيَرْمِي بِهَا"، إلا أن استخدام الحيوانات للتجارب العلمية ومنها الطبية جائز وإن أفضى إلى قتلها، لأن مفهوم المخالفة للحديث السابق أن من قتل حيوانا في منفعة لم يرتكب حراما.
واستثنى من هذه الحيوانات أربع من الدواب ونهى عن قتلها: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ" كما ورد في حديث ابن عباس، واستثنى كذلك الضفدع حين نهى طبيبا عن قتل ضفدع ليجعلها في دواء.
ومن المفضل أن تقدم العقرب والحية والغراب والحدأة والفأرة أو الجرذ والكلب العقور والوزغ على غيرها من الحيوانات لغرض الأبحاث العلمية إذا استوت الفائدة العلمية في كل منها، لورود أحاديث تبيح قتلها فعن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ، الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ"، وعن أم شريك (رضي الله عنها) أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ: "كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ".
وأما زراعة أعضاء الحيوانات، أو إنتاج الأدوية والأمصال منها فجائز أيضا بالشروط المذكورة، وذلك لعموم أدلة التداوي.
جمع وإعداد: راضية عبد الله