- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح38) خوض الصراع الفكري مع القوميين والوطنيين (ج7)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: "خَوضُ الصِّرَاعِ الفِكْرِيِّ مَعَ القَومِيِّينَ وَالوَطَنِيِّينَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ كُلَّمَا انْحَطَّ الفِكرُ رابِطَةُ الوَطَنِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ عَيشِهِمْ فِي أرْضٍ وَاحِدَةٍ وَالتِصَاقِهِمْ بِهَا". وَيَقُولُ أيضًا: "وَحِينَ يَكُونُ الفِكْرُ ضَيِّقاً تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ رَابِطةٌ قَومِيَّةٌ، وَهِيَ الرَّابِطَةُ العَائليَّةُ وَلَكنْ بِشَكْلٍ أَوْسَعَ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: لَقَدِ اتَّبَعَ مُؤَلِّفُوا المَنَاهِجِ المَدرَسِيَّةِ فِي الأُردُنِّ عِدَّةَ أسَالِيبَ فِي تَضْلِيلِ عُقُولِ الطُّلابِ وَحَرفِهَا عَنِ الفَهْمِ الصَّحِيحِ لأفكَارِ وَمَفَاهِيمِ الإِسلامِ, وَغَرَسُوا فِي عُقُولِهِمْ فِكْرَةَ القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ بِعِدَّةِ طُرُقٍ سَنَذكُرُهَا لَكُمْ مَشفُوعَةً وَمَقرُونَةً بِالوَثَائِقِ وَالصُّوَرِ حَتَّى لا يَرتَابَ مُرتَابٌ, وَلا يَظُنَّ ظَانٌّ أنَّنا نَتَجَنَى أو أنَّنَا نُصدِرُ اتِّهَامَاتِنَا جُزَافاً دُونَ دَلِيلٍ أو بُرهَانٍ, وَقَد فَعَلُوا ذَلِكَ حَتَّى تَتَوَافَقَ هَذِهِ المَنَاهِجُ المَدرَسِيَّةُ مَعَ أُسُسِ فَلسَفَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ؛ لأنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفعَلُوا ذَلِكَ فَلَنْ تَتِمَّ المُوَافَقَةُ مِنْ قِبَلِ وَزَارَةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ عَلَى أنْ تُقَرِّرَ تَدرِيسَ كُتُبِهِمْ فِي المَدَارِسِ التَّابِعَةِ لَهَا, وَمِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ وَالأسَالِيبِ مَا يَأتِي:
أولاً: تَعَمُّدُ إدرَاجِ كَلِمَةِ "العَرَبِ" وَمُشتَقَّاتِهَا بِكَثرَةٍ غَيرِ مَعقُولَةٍ, وَلا مَقبُولَةٍ فِي الدُّرُوسِ وَفِي أسئِلَتِهَا, حَتَّى بَلَغَ عَدَدُهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا خَمْساً وَثَلاثِينَ مَرَّةً, وَقَدْ كُنتُ حِينَ أنطِقُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ فِي قِرَاءَتِي الجَهرِيَّةِ أغَيِّرُ نَبرَةَ صَوتِي كَي أستَرعِيَ انتِبَاهَهُمْ وَألفِتَ أنظَارَهُمْ, وَأجذِبَ أسمَاعَهُمْ؛ كَي يَتَسَاءلُوا عَنْ سَبَبِ كَثرَةِ هَذَا التِّكرَارِ, فَأُجِيبُهُمْ عَنْ تَسَاؤُلِهِمْ, وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا الأمرُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي دَرسٍ وَاحِدٍ بَلْ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ فِي عِدَّةِ دُرُوسٍ حَتَّى صَارَ الأمرُ وَاضِحاً لِلعَيَانِ وَمَكشُوفاً لِكُلِّ إِنسَانٍ. وَلَمَّا عَرَفَ الطُّلابُ السَّبَبَ الحَقِيقِيَّ لِذَلِكَ التِّكْرَارِ صَارَ الأمْرُ بِالنِّسبَةِ لَهُمْ مُستَقبَحاً مَرفُوضاً!!
وَقَدْ حَصَلَ أنْ زَارَنِي أحَدُ المُوَجِّهِينَ وَالمُشرِفِينَ عَلَى تَدرِيسِ مَادَّةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَأنَا مَعَ طُلابِي فِي غُرفَةِ الصَّفِّ, فَسَألَهُ الطُّلابُ: لِمَاذَا هَذَا التِّكرَارُ يَا حَضْرَةَ المُوَجِّه؟ فَأجَابَهُمْ مُحَاوِلاً إِيجَادَ مُبَرِّرٍ لِهَذَا التِّكرَارِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّنَا إِذَا قُلْنَا كَلِمَةَ "العَرَبِ" فَإِنَّنَا نَقصِدُ "المُسلِمِينَ", وَإِذَا قُلنَا كَلِمَةَ "المُسلِمِينَ" فَإِنَّنَا نَقصِدُ "العَرَبَ". فَقَالُوا لَهُ: فَمَا قَولُكَ فِي كِتَابِنَا المُسَمَّى "تَارِيخُ العَرَبِ وَالمُسلِمِينَ", وَأنتَ مُوَجِّهٌ مُختَصٌّ بِمَادَّةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ, هَذِهِ الوَاوُ وَاوُ العَطفِ الفَاصِلَةُ بَينَ العَرَبِ وَالمُسلِمِينَ, هَلْ تَعنِي أنَّ المُسلِمِينَ هُمُ العَرَبُ, وَأنَّ العَرَبَ هُمُ المُسلِمُونَ؟ أم أنَّهَا تَعنِي المُغَايَرَةَ أيْ أنَّ العَرَبَ غَيرُ المُسلِمِينَ, وَأنَّ المُسلِمِينَ غَيرُ العَرَبِ؟؟ فَأُعجِبَ المُوَجِّهُ بِنَبَاهَةِ طُلابِي فَشَكَرَهُمْ وَشَكَرَنِي, ثُمَّ انصَرَفَ, وَلَمْ يُنَاقِشْهُمْ أو يُنَاقِشْنِي بِهَذَا المَوضُوعِ.
ثانياً: مُمَارَسَةُ الكَذِبِ الوَاضِحِ وَالمكشُوفِ كَمَا رَأينَا مِنْ قَبلُ فِي قَصِيدَةِ "الوَحْدَةُ العَرَبِيَّةُ" لِلشَّاعِرِ مَحمُود حَسَن إِسمَاعِيلَ الَّتِي يَقُولُ فِي مَطْلَعِهَا مُخَاطِباً إِيَّاهَا:
فِي طَرِيقِ الشَّمْسِ عُودِي وَأعِيدِي ... عِـزَّةَ الشَّرقِ عَلَى وَجْهِ الوُجُودِ
وَازحَفِـي بِالنُّـورِ وَالنَّـارِ عَلَى ... حَشرَجَاتِ الذُّلِّ فِي بَاقِي القُيُودِ
مِنْ قَدِيـمِ الدَّهـرِ حَيَّاكِ الإِلَـهْ ... وَبِصَـوتِ الوَحْيِ نَادَتْكِ سَمَاهْ
أجَل, إِنَّهُ الكَذِبُ وَالافتِرَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَعَلَى أمِينِ وَحْيِهِ جِبرِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ فَفِي أيِّ كِتَابٍ سَمَاوِيٍّ حَيَّا اللهُ الوَحدَةَ العَرَبِيَّةَ؟ وَفِي أيَّةِ سُورَةٍ مِنْ سُوَرِ القُرآنِ؟ وَمَا رَقْمُ الآيَةِ الكَرِيمَةِ؟
ثالثا: مُمَارَسَةُ التَّحرِيفِ وَالتَّزوِيرِ المُتَعَمَّدِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَجَلِيٌّ فِي دَرْسٍ جَعَلُوا عُنوَانَهُ "المَنهَجُ العِلمِيُّ عِندَ العَرَبِ" وَهُوَ مَأخُوذٌ مِنْ كِتَابٍ عُنوَانُهُ: "مَنَاهِجُ العُلَمَاءِ المُسلِمِينَ فِي البَحْثِ العِلْمِيِّ" لِمُؤَلِّفٍ وَكَاتِبٍ أجنَبِيِّ اسْمُهُ الدُّكتُور فَرانتز رُوزِنتَال.
كَانَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - بِرُؤيَتِهِ الثَّاقِبَةِ, وَعَقْلِهِ الوَاعِي, وَفِكرِهِ المُستَنِيرِ مُنذُ أنْ وَافَقَتْ جَامِعَةُ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ عَلَى تَأسِيسِ مُنَظَّمَةِ التَّحْرِيرِ الفِلَسطِينِيَّةِ, كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ قَد قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ المُنَظَّمَةَ ذَاتَ الكَيَانِ العَسكَرِيِّ المُسَلَّحِ سَتَؤُولُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى كَيَانٍ سِيَاسِيٍّ يَتَفَاوَضُ مَعَ يَهُودٍ لِتَسلِيمِ فِلَسطِينَ لِتَكُونَ لَهُمُ السِّيَادَةُ وَالسَّيطَرَةُ الكَامِلَةُ عَلَيهَا".
إِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرتُهُ وَمَا شَهِدتُهُ مِنْ صِرَاعٍ فِكْرِيٍّ مَعَ القَومِيِّينَ وَالوَطَنِيِّينَ بِالنِّسبَةِ لِمَا شَهِدَهُ شَبَابُ حِزْبِ التَّحرِيرِ فِي عَهْدِ الهَالِكِ جَمَال عَبد النَّاصِرِ, وَفِي أوَائِلِ تَأسِيسِ مُنَظَّمَةِ التَّحرِيرِ الفِلَسطِينِيَّةِ مَا هُوَ إِلاَّ غَيضٌ مِنْ فَيضٍ, وَمَا هُوَ إِلاَّ نُقطَةٌ يَخرُجُ بِهَا المِخْيَطُ إِذَا غُمِسَ فِي مَاءِ البَحْرِ, فَقَد شَهِدُوا صِرَاعاً كَبِيراً عَرَّضَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ المَوَاقِفِ إِلَى القَتْلِ وَالتَّصفِيَةِ الجَسَدِيَّةِ وَالبَطْشِ وَالتَّعذِيبِ وَالاعتِقَالِ حَيثُ كَانُوا يَصدَعُونَ بِكَلِمَةِ الحَقِّ أمَامَ العَالَمِ بِأسْرِهِ, وَعَلَى مَسمَعِ النَّاسِ أجْمَعِينَ بِمَا فِيهِمُ الجَمَاهِيرُ المُحِبَّةُ لِجَمَالِ عَبدِ النَّاصِرِ حُبّاً كَادَ أنْ يَصِلَ فِي بَعضِ الأحيَانِ إِلَى دَرَجَة العِبَادَةِ, وَكَانُوا يَرَونَهُ القَائِدَ الفَذَّ, وَالزَّعِيمَ المُلْهَمَ لِلأُمَّةِ العَرَبِيَّةِ, وَكَانَ شَبَابُ الحِزْبِ يَرَونَهُ عَمِيلاً مُنَفِّذاً لِسِيَاسَةِ أمرِيكَا فِي بِلادِ المُسلِمِينَ, وَكَانُوا كَذَلِكَ يَرَونَ فِي قِيَادَاتِ وَزَعَامَاتِ المُنَظَّمَاتِ الفِدَائِيَّةِ أنَّهَا خَائِنَةٌ وَعَمِيلَةٌ وَمُتَآمِرَةٌ.
وَقَد أصْدَرَ حِزْبُ التَّحرِيرِ نَشْرَةً عُنوَانُها: "المُنَظَّمَاتُ الفِدَائِيَّةُ خَائِنَةٌ وَعَمِيلَةٌ وَمُتَآمِرَةٌ", وَقَامَ شباب الحِزْبِ بِتَوزِيعِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الفِدَائِيِّينَ وَمُعَسكَرَاتِهِمْ وَمَكَاتِبِهِمْ فَتَعَرَّضُوا كَمَا ذَكَرْتُ آنِفاً لِلاعتِقَالِ وَالبَطشِ وَالتَّعذِيبِ وَالتَّهدِيدِ بِالقَتلِ أو مَا يُسَمُّونَهُ بِالتَّصفِيَةِ الجَسَدِيَّةِ, حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أخِي وَصَدِيقِي وَرَفِيقَ دَربِي فِي الدَّعوَةِ إِبرَاهِيم عَلان "أبو بسام" رَحِمَهُ اللهُ فَقَد كَانَ أحَدَ المُعتَقَلِينَ فِي سَبعِينَاتِ القَرنِ المَاضِي عَلَى يَدِ أفرَادِ الفِدَائِيِّينَ مِنْ لَجنَةِ التَّنسِيقِ التَّابِعَةِ لِمُنَظَّمَةٍ تُسَمِّي نَفسَهَا الهَيئَةَ العَامِلَةَ لِتَحرِيرِ فِلَسطِينَ الَّتِي كَانَتْ تَتَمَركَزُ فِي مُخَيَّمِ الوِحْدَاتِ وَهُوَ أحَدُ مُخَيَّمَاتِ الَّلاجِئِينَ الفِلَسطِينِيِّينَ المُتَوَاجِدَةِ عَلَى الأرَاضِي الأُردُنِيَّةِ. وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَبِهَذَا نَكُونُ قَد أنهَينَا الحَدِيثَ عَنِ الصِّرَاعِ مَعَ القَومِيِّينَ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.