- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح178) قاضي المظالم ينصبمن قِـبَل الخليفة، أو من قبل قاضي القضاة
لرفع كل مظلمة تحصل من الدولة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالسَّبْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"قَاضِي المَظَالِمِ يُنَصَّبُ مِنْ قِـبَلِ الخَلِيفَةِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ قَاضِي القُضَاةِ؛ لِرَفْعِ كُلِّ مَظلِمَةٍ تَحْصُلُ مِنَ الدَّولَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ, وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 87: قَاضِي المَظَالِمِ هُوَ قَاضٍ يُنَصَّبُ لِرَفْعِ كُلِّ مَظْلِمَةٍ تَحصُلُ مِنَ الدَّولَةِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ يَعِيشُ تَحْتَ سُلْطَانِ الدَّولَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ رَعَايَاهَا أَمْ مِنْ غَيرِهِمْ، وَسَوَاءٌ حَصَلَتْ هَذِهِ المَظْلِمَةُ مِنَ الخَلِيفَةِ أَمْ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ مِنَ الحُكَّامِ وَالمُوَظَّفِينَ.
المادة 88: يُعيَّنُ قَاضِي المَظَالِمِ مِنْ قِـبَلِ الخَلِيفَةِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ قَاضِي القُضَاةِ. أَمَّا مُحَاسَبَتُهُ وَتَأدِيبُهُ وَعَزْلُهُ فَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ قَاضِي القُضَاةِ إِذَا أَعْطَاهُ الخَلِيفَةُ صَلَاحِيَّةَ ذَلِكَ. إِلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ أَثْنَاءَ قِيَامِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَظْلِمَةٍ عَلَى الخَلِيفَةِ، أَوْ مُعَاوِنِ التَّفْوِيضِ، أَوْ قَاضِي القُضَاةِ المَذكُورِ، وَتَكُونُ صَلَاحِيَّةُ العَزْلِ فِي هَذِهِ الحَالَاتِ لِـمَحْكَمَةِ المَظَالِمِ.
المادة 89: لَا يُحْصَرُ قَاضِي المَظَالِمِ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ أَو أَكْثَرَ، بَلْ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ عَدَداً مِنْ قُضَاةِ المَظَالِمِ حَسَبَ مَا يَحتَاجُ رَفْعُ المَظَالِمِ مَهْمَا بَلَغَ عَدَدُهُمْ. وَلَكِنْ عِندَ مُبَاشَرَةِ القَضَاءِ لَا تَكُونُ صَلَاحِيَّةُ الحُكْمِ إِلَّا لِقَاضٍ وَاحِدٍ لَيسَ غَيرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ قُضَاةِ المَظَالِمِ أَثْنَاءَ جَلْسَةِ القَضَاءِ، وَلَكِنْ تُكُونُ لَهُمْ صَلَاحِيَّةُ الاستِشَارَةِ لَيسَ غَيرُ، وَهُوَ غَيرُ مُلْزَمٍ بِالأَخْذِ بِرَأْيِهِمْ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ المَوَادُّ: السَّابِعَةُ وَالثَّمَانُونَ, وَالثَّامِنَةُ وَالثَّمَانُونَ, والتَّاسِعَةُ والثَّمَانُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 87: هَذِهِ المَادَّةُ تَعرِيفٌ لِقَاضِي المَظَالِمِ، وَالأَصْلُ فِي قَضَاءِ المَظَالِـمِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ جَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الحَاكِمُ مِنْ أَمْرٍ، عَلَى غَيرِ وَجْهِ الحَقِّ فِي حُكْمِهِ لِلرَّعِيَّةِ مَظْلِمَةً. عَنْ أَنَسٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ r فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ».(رَوَاهُ أَحْمَدُ) فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ التَّسْعِيرَ مَظْلِمَةً؛ لِأَنَّهُ لَو فَعَلَهُ يَكُونُ فَعَلَ شَيئاً لَا حَقَّ لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ جَعَلَ القَضَايَا الَّتِي تَحْصُلُ فِي الحُقُوقِ العَاَّمةِ الَّتِي تُنَظِّمُهَا الدَّولَةُ لِلنَّاسِ، جَعَلَ النَّظَرَ فِيهَا مِنَ المَظَالِمِ كَسَقْيِ الزَّرْعِ مِنْ مَاءٍ عَامٍّ كُلٌّ فِي دَورِهِ، فَقَدْ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ r فِي الشُّرْبِ الَّذِي تَنَازَعَهُ الزُّبَيرُ بْنُ العَوَّامِ r وَرَجَلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَحَضَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ لِلزُّبَيرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ, ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ). فَأَيَّةُ مَظْلَمَةٍ تَحْصُلُ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الحَاكِمِ، أَمْ مِنْ تَنظِيمَاتِ الدَّوْلَةِ. وَأَوَامِرُهَا تُعْتَبَرُ مَظْلِمَةً كَمَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَينِ الحَدِيثَينِ، وَيُرْفَعُ أَمْرُهَا لِلخَلِيفَةِ لِيَقْضِيَ فِي هَذِهِ المَظْلِمَةِ، أَوْ لِمَنْ يُنِيبُهُ الخَلِيفَةُ عَنهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قُضَاةِ المَظَالِمِ.
ثانيا: المادة 88: يُعيّن قَاضِي المَظَالِمِ مِنْ قِبَلِ الخَلِيفَةِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ قَاضِي القُضَاةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ المَظَالـمَ مِنَ القَضَاءِ، فَهِيَ إِخْبَارٌ عَنِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ عَلَى سَبِيلِ الإِلزَامِ، وَالقَاضِي، بِجَمِيعِ أَنوَاعِهِ، إِنَّمَا يُعيِّنُهُ الخَلِيفَةُ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّسُولَ r هُوَ الَّذِي كَانَ يُعيِّنُ القُضَاةَ بِأَنْوَاعِهِمْ كَمَا بَيَّنَّا سَابِقاً. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ الخَلِيفَةَ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ قَاضِي المَظَالِمِ، وَيَجُوزُ لِقَاضِي القُضَاةِ أَنْ يُعَيِّنَ قَاضِي المَظَالِمِ إِذَا جَعَلَ لَهُ الخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي عَقْدِ التَّقلِيدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَمَلُ مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ الرَّئِيسَةِ فِي مَرْكَزِ الدَّولَةِ عَلَى النَّظَرِ فِي المَظْلِمَةِ مِنَ الخَلِيفَةِ وَوُزَرَائِهِ وَقَاضِي قُضَاتِهِ، وَأَنْ تَنظُرَ فُرُوعُ مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ فِي الوِلَايَاتِ فِي المَظَالِمِ مِنَ الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ وَمُوَظَّفِي الدَّولَةِ الآخَرِينَ. وَلِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعْطِيَ مَحْكَمَةَ المَظَالِمِ المَركَزِيَّةَ صَلَاحِيَّةَ تَعْيِينِ وَعَزْلِ قُضَاةِ المَظَالِم فِي مَحَاكِمِ المَظَالِمِ فِي فُرُوعِ الوِلَايَاتِ التَّابِعَةِ لِمَحْكَمَةِ المَظَالِمِ المَركَزِيَّةِ. وَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ وَيَعْزِلُ أَعْضَاءَ مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ الرئِيسَةِ فِي مَرْكَزِ الدَّولَةِ. وَأَمَّا عَزْلُ رَئِيسِ مَحْكَمَةِ المَظَالِمِ المرَكَزِيَّةِ، أَيْ قَاضِي المَظَالِمِ الَّذِي يَنظُرُ فِي عَزْلِ الخَلِيفَةِ، فَإِنَّ الأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلخَلِيفَةِ حَقُّ عَزْلِهِ، كَمَا لَهُ حَقُّ تَوْلِيَتِهِ كَسَائِرِ القُضَاةِ. وَلَكِنْ هُنَاكَ حَالَةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِ أَنَّهُ لَو تُرِكَتْ صَلَاحِيَّةُ العَزْلِ بِيَدِ الخَلِيفَةِ أَثنَاءَهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاحِيَّةَ تُؤَدِّي إِلَى الحَرَامِ، وَعِندَهَا تَنطَبِقُ عَلَيهَا قَاعِدَةُ (الوَسِيلَةُ إِلَى الحَرَامِ حَرَامٌ)، حَيثُ إِنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَكْفِي فِي هَذِهِ القَاعِدَةِ.
أَمَّا هَذِهِ الحَالَةُ فَهِيَ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ قَضِيَّةٌ مَرفُوعَةٌ عَلَى الخَلِيفَةِ، أَوْ وُزَرَائِهِ، أَوْ قَاضِي قُضَاتِهِ (إِذَا كَانَ الخَلِيفَةُ قَدْ جَعَلَ لَهُ صَلَاحِيَّةَ تَعْيِينِ وَعَزْلِ قَاضِي المَظَالِمِ)؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ بَقَاءَ صَلَاحِيَّةِ العَزْلِ بِيَدِ الخَلِيفَةِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ سَيُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ القَاضِي، وَبِالتَّالِي يَحُدُّ مِنْ قُدْرَةِ القَاضِي عَلَى عَزْلِ الخَلِيفَةِ أَوْ أَعْوَانِهِ مَثلًا، وَتُكُونُ صَلَاحِيَّةُ العَزْلِ هَذِهِ وَسَيلةً إِلَى الحَرَامِ، أَيْ أَنَّ بَقَاءَهَا بِيَدِ الخَلِيفَةِ فِي هَذِهِ الحَالَةِحَرَامٌ.وَأَمَّا بَاقِي الحَالَاتِ فَإِنَّ الحُكْمَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، أَيْ أَنَّ صَلَاحِيَّةَ عَزْلِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ هِيَ لِلخَلِيفَةِ كَتَولِيَتِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
ثالثا: المادة 89: دَلِيلُهَا مِنْ حَيثُ كَونُ قَاضِي المَظَالـمِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ فَلِأَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَنُوبُ عَنهُ وَاحِداً أَوْ أَكْثَرَ. إِلَّا أَنَّهُ وَلَو تَعَدَّدَ قُضَاةُ المَظَالِمِ فَإِنَّ صَلَاحِيَّةَ نَظَرِهِمْ فِي المَظَالِمِ لَا تَتَجَزَّأُ، فَإِنَّ لِكُلِّ مِنْهُمْ أَنْ يَنظُرَ فِي الـمَظَالِـمِ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُخَصِّصَ قَاضِيًا لِلْمَظَالِـمِ فِي وِلَايَةٍ مِنَ الوِلَايَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَصِّصَهُ فِي بَعْضِ القَضَايَا؛ لِأَنَّ لَهُ إِعْطَاءُ الوِلَايَةِ عَلَى المَظَالِمِ وِلَايَةً عَامَّةً, وَوِلَايَةً خَاصَّةً، وَوِلَايَةً فِي جَمِيعِ البِلَادِ، وَوِلَايَةً فِي بَلَدٍ أَوْ إِقْلِيمٍ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ. وَأَمَّا كَونُ قَاضِي المَظَالِمِ عِندَ مُبَاشَرَةِ النَّظَرِ فِي القَضِيَّةِ لَا يَتَعَدَّدُ, فَلِمَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِ القَاضِي فِي القَضِيَّةِ الوَاحِدَةِ, وَجَوَازِ تَعَدُّدِهِ فِي الـمَكَانِ. وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ قُضَاةِ المَظَالِمِ لِلشُّورَى فَقَطْ, وَلَا يٌشَارِكُونَهُ فِي الرَّأْيِ، وَهَذَا يَرجِعُ إِلَى رِضَاهُ هُوَ وَاختِيَارُهُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَعَارَضَ فِي جُلُوسِهِمْ مَعَهُ لَا يَجْلِسُونَ. لِأَنَّهُ لَا يَجْلِسُ مَعَ القَاضِي أَحَدٌ يَشْغَلُهُ عَنِ النَّظَرِ فِيمَا خُصِّصَ لَهُ، وَلَكِنْ إِذَا ارتَفَعَ عَنْ مَجلِسِ القَضَاءِ شَاوَرَهُمْ فِي الأَمْرِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.