الأربعاء، 08 رجب 1446هـ| 2025/01/08م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام - (ح181) العقود والمعاملات والأقضية التي أبرمت وانتهى تنفيذها قبل قيام الخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح181) العقود والمعاملات والأقضية التي أبرمت وانتهى تنفيذها قبل قيام الخلافة

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ والثَّمَانِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "العُقُودُ, وَالمُعَامَلَاتُ, وَالأَقضِيَةُ الَّتِي أُبرِمَتْ, وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 95: العُقُودُ وَالمُعَامَلَاتُ وَالأَقضِيَةُ الَّتِي أُبرِمَتْ وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبْلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ، لَا يَنقُضُهَا قَضَاءُ الخِلَافَةِ وَلَا يُحَرِّكُهَا مِنْ جَدِيدٍ إِلَّا إِذَا كَانَتِ القَضِيَّةُ تَتَّصِفُ بِإِحْدَى الصِّفَاتِ الآتِيَةِ:

 

أ -لَهَا أَثَرٌ مُسْـتَمِرٌّ مُخَالِفٌ لِلإِسلَامِ فَتُحَرَّكَ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى الوُجُوبِ.

 

ب-أَو كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِأَذَى الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ الَّذِي أَوقَعَهُ الحُكَّامُ السَّابِقُونَ وَأَتبَاعُهُمْ، فَيَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ تَحرِيكُ هَذِهِ القَضَايَا مِنْ جَدِيدٍ.

 

ج -أَوْ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ قَائِمٍ بِيَدِ غَاصِبِهِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ الخَامِسَةُ والتِّسْعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ: تُعتَبَرُ العُقُودُ وَالمُعَامَلَاتُ وَالأَقْضِيَةُ الَّتِي أُبْرِمَتْ, وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبْلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ، تُعتَبَرُ صَحِيحَةً بَينَ أَطْرَافِهَا حَتَّى انتِهَاءِ تَنفِيذِهَا قَبْلَ الخِلَافَةِ، وَلَا يَنقُضُهَا قَضَاءُ الخِلَافَةِ, وَلَا يُحَرِّكُهَا مِنْ جَدِيدٍ وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ الدَّعَاوَى حَولَهَا مِنْ جَدِيدٍ بَعدَ قِيَامِ الخِلَافَةِ. يُستَثْنَى مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:

 

1- إِذَا كَانَ لِلقَضِيَّةِ الَّتِي أُبْرِمَتْ وَانتَهَى تَنفِيذُهَا أَثَرٌ مُستَمِرٌّ يُخَالِفُ الإِسلَامَ.

 

2- إِذَا كَانَتِ القَضِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِمَن آذَى الإِسْلَامَ وَالمُسلِمِينَ.

 

3- إِذَا كَانَتِ القَضِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ قَائِمٍ بِيَدِ غَاصِبِهِ.

 

أَمَّا عَدَمُ نَقْضِ العُقُودِ وَالمُعَامَلَاتِ وَالقَضَايَا الَّتِي أُبْرِمَتْ وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبلَ قِيَامِ دَولَةِ الخِلَافَةِ، وَعَدَمُ تَحرِيكِهَا مِنْ جَدِيدٍ فِي غَيرِ الحَالَاتِ الثَّلَاثِ المَذكُورَةِ؛ فَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ e لَمْ يَنقُضْ مُعَامَلَاتِ الجَاهِلِيَّةِ وَعُقُودِهَا وَأَقضِيَتِهَا عِندَمَا أَصْبَحَتْ دَارُهُمْ دَارَ إِسْلَامٍ.

 

فَالرَّسُولُ e بَعْدَ الفَتْحِ لَم يَعُدْ إِلَى دَارِهِ الَّتِي هَاجَرَ مِنهَا، حَيثُ كَانَ عَقِيلٌ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ وَرِثَ- وَفْقَ قَوَانِينِ قُرَيشٍ- دُورَ عَصَبَتِهِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا، وَتَصَرَّفَ بِهَا وَبَاعَهَا، وَمِنْ ضِمْنِهَا دَارُ الرَّسُولِ e، وَكَانَ قِيْلَ لِلرَّسُولِ e حِينَهَا: (فِي أَيِّ دُورِكَ تَنزِلُ؟) فَقَالَ e : «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ» وفي رواية «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟» فَهُوَ كَانَ قَدْ بَاعَ دُورَ رَسُولِ اللهِ e، وَلَمْ يَنقُضْهَا الرَّسُولُ e. وَالحَدِيثُ كَمَا أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ هُوَ: (أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَداً؟ قَالَ النَّبِيُّ e: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟!»). وَكَذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، عِندَمَا أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ - وَكَانَتْ زَوجَتُهُ زَينَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ e قَدْ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بَينَمَا هُوَ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ فِي مَكَّةَ - أَرْجَعَ الرَّسُولُ e إِلَيهِ زَوجَتَهُ زَينَبُ بِنْتُ الرَّسُولِ e دُونَ أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدَ نِكَاحِهَا عَلَيهِ، إِقْرَاراً بِالعَقْدِ الَّذِي كَانَ قَدْ تَمَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ.

 

أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ» وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: «حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْـنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ زَوْجِهَا بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُحْدِثْ صَدَاقاً». وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ أَبُو العَاصِ.

 

وَأَمَّا تَحرِيكُ القَضَايَا ذَاتِ الأَثَرِ المُسْتَمِرِّ المُخَالِفِ لِلإِسلَامِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ e قَدْ وَضَعَ الرِّبَا البَاقِي عَلَى النَّاسِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحُوا فِي الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ وَجَعَلَ لَهُمْ رُؤُوسُ أَموَالِهِمْ، أَيْ أَنَّهُمْ بَعدَ دَارِ الإِسلَامِ قَدْ أَصْبَحَ مَا بَقِيَ عَلَيهِمْ مِنْ رِباً مَوضُوعاً. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يَقُولُ: «أَلا إِنَّ كُلَّ رِباً مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ». وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانُوا مُتَزَوِّجِينَ فَوقَ أَرْبَعٍ حَسَبَ قَوَانِينِ الجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ بَعدَ دَارِ الإِسلَامِ أُلزِمُوا بِإِمْسَاكِ أَربَعٍ فَقَطْ. أَخْرَجَ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ غَيلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ e أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعاً مِنْهُنَّ». وَعَلَيهِ فَإِنَّ العُقُودَ الَّتِي لَهَا أَثَرٌ مُستَمِرٌّ مُخَالِفٌ لِلإِسلَامِ، فَإِنَّ هَذَا الأَثَرَ يُزَالُ عِندَ قِيَامِ الخِلَافَةِ، وَهَذِهِ الإِزَالَةُ عَلَى الوُجُوبِ.فَمَثَلاً لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُسلِمَةً كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً مِنْ نَصْرَانِيٍّ قَبْلَ الإِسلَامِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الخِلَافَةِ يُفْسَخُ هَذَا العَقْدُ وَفْقَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

 

وَأَمَّا تَحرِيكُ القَضَايَا المُتَعَلِّقَةَ بِمَنْ آذَوا الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ؛ فَلِأَنَّ الرَّسُولَ e عِندَمَا فَتَحَ مَكَّةَ أَهْدَرَ دَمَ بِضْعَةِ نَفَرٍ كَانُوا يُؤْذُونَ الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَهْدَرَ دَمَهُمْ حَتَّى وَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ، عِلْماً بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ: «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ، أَيْ أَنَّ مَنْ آذَى الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ مُستَثْنىً مِنَ هَذَا الحَدِيثِ.

 

وَحَيثُ إِنَّ الرَّسُولَ e قَدْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِمْ فِيمَا بَعْدُ كَعَفْوِهِ e عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ؛ لِذَلِكَ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُحَرِّكَ القَضِيَّةَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ يَعْفُوَ عَنهُمْ. وَهَذَا يَنطَبِقُ عَلَى مَنْ كَانَ يُعَذِّبُ المُسلِمِينَ لِقَولِهِمُ الحَقَّ أَوْ يَطْعَنُ فِي الإِسلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُطَبَّقُ عَلَيهِمْ حَدِيثُ «إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَـبْلَهُ»، بَلْ إِنَّهُمْ مُستَثْنَونَ مِنْ هَذَا، وَتُحَرَّكُ القَضِيَّةُ عَلَيهِمْ وَفْقَ مَا يَرَاهُ الخَلِيفَةُ.

 

وَأَمَّا تَحرِيكُ قَضَايَا الغَصْبِ القَائِمَةِ بِيَدِ غَاصِبِهَا فَلِمَا رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ e فَأَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إِنَّ هَذَا انْتَزَى عَلَى أَرْضِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عِبْدَانَ قَالَ: بَيِّنَتُكَ، قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ، قَالَ: يَمِينُهُ، قَالَ إِذَنْ يَذْهَبُ بِهَا، قَالَ: لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضاً ظَالِماً لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، وَمَعنَى قوله: "انتَزَى عَلَى أَرْضِي" غَلَبَ عَلَيهَا, وَاستَولَى أَيْ أَخَذَهَا غَصْباً.

 

فَالرَّسُولُ e قَبِلَ دَعْوَى الرَّجُل عَلَى مَنْ غَصَبَ أَرْضَهُ عِلْماً بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ. وَعَلَيهِ فَكُلُّ مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضاً أَو غَصَبَ مَاشِيَةً أَو مَالاً مَملُوكاً لِلأَفْرَادِ أَوِ اقتَطَعَ مَالاً مِنْ أَمْوَالِ المِلْكِيَّةِ العَامَّةِ أَوْ مِلْكِيَّةِ الدَّولَةِ, وَذَلِكَ غَصْباً، فَإِنَّ الدَّعْوَى تُقْبَلُ فِيهَا.

 

أَمَّا فِي غَيرِ هَذِهِ الحَالَاتِ الثَّلاثِ، فَإِنَّ عُقُودَ مَا قَبلِ الخِلَافَةِ وَمُعَامَلَاتِهَا وَأَقضِيَتَهَا لَا تُنقَضُ وَلَا تُحَرَّكُ، مَا دَامَ أَنَّهَا قَدْ أُبْرِمَتْ, وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ. فَمَثَلاً لَو أَنَّ رَجُلاً حُكِمَ باِلسِّجْنِ سَنَتَينِ فِي تُهْمَةِ كَسْرِ أَبوَابِ مَدْرَسَةٍ، وَأَكْمَلَ السَّنَتَينِ قَبلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ, وَخَرَجَ مِنَ السِّجْنِ، ثُمَّ بَعْدَ قِيَامِ الخَلَافَةِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ دَعْوَى عَلَى مَنْ سَجَنَهُ بِتِلْكَ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَستَحِقُّ السِّجْنَ، فَإِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ القَضِيَّةَ حَدَثَتْ, وَحُكِمَ عَلَيهَا, وَانتَهَى تَنفِيذُهَا قَبلَ قِيَامِ الخِلَافَةِ، فَيَحْتَسِبُ أَمْرَهُ للهِ.

 

 

181

 

 

وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَجُلٌ مَحكُوماً عَشْرَ سَنَوَاتٍ مَضَى مِنهَا سَنَتَانِ, ثُمَّ قَامَتِ الخِلَافَةُ، فَهُنَا لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَنظُرَ فِيهَا، إِمَّا بِإِلْغَاءِ العُقُوبَةِ مِنْ أَصْلِهَا فَيَخْرُجَ مِنَ السِّجْنِ بَرِيئاً مِمَّا نُسِبَ إِلَيهِ، وَإِمَّا بِالاكتِفَاءِ بِمَا مَضَى، أَيْ أَنَّ الحُكْمَ الصَّادِرَ عَنهُ يُعتَبَرُ سَنَتَينِ, وَيَخرُجُ مِنَ السِّجْنِ، وَإِمَّا أَنْ يُدْرَسَ الحُكْمُ البَاقِي وَيُرَاعَى فِيهِ الأَحْكَامُ الشَّرعِيَّةُ ذَاتُ العَلَاقَةِ بِمَا يُصْلِحُ الرَّعِيَّةَ، وَبِخَاصَّةٍ القَضَايَا المُتَعَلِّقَةُ بِحُقُوقِ الأَشْخَاصِ، وَبِمَا يُصلِحُ ذَاتَ البَينِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع