- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح190)عضوية مجلس الأمة ومجلس الولاية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ التِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "عُضوِيَّةُ مَجلِسِ الأُمَّةِ وَمَجلِسِ الوِلَايَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 107: لِكُلِّ مَنْ يَحْمِلُ التَّابِعِيَّةَ إِذَا كَانَ بَالِغاً عَاقِلاً الحَقُّ فِي أَنْ يَكُونَ عُضْواً فِي مَجْلِسِ الأُمَّةِ, وَفِي مَجْلِسِ الوِلَايَةِ، رَجُلاً كَانَ أَوْ امْرَأَةً، مُسْلِماً كَانَ أَوْ غَيرَ مُسْلِمٍ، إِلَّا أَنَّ عُضْوِيَّةَ غَيرِ المُسْلِمِ قَاصِرَةٌ عَلَى إِظْهَارِ الشَّكْوَى مِنْ ظُلْمِ الحُكَّامِ، أَوْ مِنْ إِسَاءَةِ تَطْبِيقِ الإِسلَامِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ السَّابِعَةُ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
لِكُلِّ مَنْ يَحْمِلُ التَّابِعِيَّةَ إِذَا كَانَ بَالِغاً عَاقِلاً الحَقُّ فِي أَنْ يَكُونَ عُضْواً فِي مَجْلِسِ الأُمَّةِ, وَلَهُ الحَقُّ فِي انتِخَابِ أَعْضَاءِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَجْلِسَ الأُمَّةِ لَيسَ مِنْ قَبِيلِ الحُكْمِ، وَلَا يَدخُلُ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي يَمْنَعُ المَرْأَةَ مِنْ أن تَكُونَ حَاكِماً، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الشُّورَى وَالمُحَاسَبَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلْمَرأَةِ كَمَا هُو حَقٌّ لِلرَّجُلِ. فَالرَّسُولِ r قَدْ قَدِمَ عَلَيهِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَة لِلْبِعْثَةِ (أَيْ السَّنَةِ الَّتِي هَاجَرَ فِيهَا) خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ مُسْلِماً، مِنهُمْ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلاً وَامْرَأَتَانِ، وَبَايَعُوهُ جَمِيعاً بَيعَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ بَيعَةُ حَرْبٍ وَقِتَالٍ، وَبَيعَةٌ سِيَاسِيَّةٌ. وَبَعْدَ أَنْ فَرَغُوا مِنْ بَيعَتِهِ قَالَ لَهُمْ جَمِيعاً: «أَخْرِجُوا إليَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً يَكُونونَ على قَوْمِهِمْ». مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ. وَهَذَا أَمْرٌ مِنهُ لِلجَمِيعِ، بِأَنْ يَنتَخِبُوا مِنَ الجَمِيعِ، وَلَمْ يُخَصِّصِ الرِّجَالَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ النِّسَاءَ، لَا فِيمَنْ يَنتَخِبُ (بِكَسْرِ الخَاءِ)، وَلَا فِيمَنْ يُنتَخَبُ (بِفَتْحِهَا)، وَالمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ، كَمَا أَنَّ العَامَّ يجَرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يَرِدْ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ، وَهُنَا جَاءَ الكَلَامُ عَامّاً وَمُطْلَقاً، وَلَمْ يَرِدْ أَيُّ دَلِيلٍ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ r أَمَرَ المَرأَتَينِ أَنْ تَنْتَخِبَا النُّقَبَاءَ، وَجَعَلَ لِلمَرأَتَينِ حَقُّ انتِخَابِهِمَا مِنَ المُسلِمِينَ نَقِيبَتَينِ. وَقَدْ جَلَسَ الرَّسُولُ r يَوماً لِيُبَايِعَهُ النَّاسُ، وَجَلَسَ مَعَهُ أَبُو بَكْرِ وَعُمَرُ، فَبَايَعَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ البَيعَةُ إِلَّا بَيعَةً عَلَى الحُكْمِ، لَا عَلَى الإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُسْلِمَاتٍ. وَبَعْدَ بَيعَةِ الرِّضْوَانِ فِي الحُدَيبِيَةِ، بَايَعَتْهُ النِّسَاءُ أَيْضاً، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).(الممتحنة 12)، وَهَذِهِ بَيعَةٌ عَلَى الحُكْمِ أَيضاً؛ لِأَنَّ القُرآنَ يُقَرِّرُ أَنَّهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ، وَكَانَتِ البَيعَةُ عَلَى أَنْ لَا يَعْصِينَهُ فِي مَعْرُوفٍ.
وَعَلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْمَرأَةِ الحَقُّ فِي أَنْ تُوَكِّلَ عَنْهَا فِي الرَّأْيِ، وَيُوَكِّلُهَا غَيرُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقُّ إِبْدَاءِ الرَّأْيِ، فَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِيهِ، وَلِأَنَّ الوِكَالَةَ لَا تُشتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ، فَلَهَا أَنْ تَتَوكَّلَ عَنْ غَيرِهَا. وَلِأَنَّ الثَّابِتَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ حِينَ تَعْرِضُ لَهُ نَازِلَةٌ يُرِيدُ أَخْذَ رَأْيِ المُسْلِمِينَ فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ النَّازِلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، أَمْ تَتَعَلَّقُ بِالحُكْمِ، أَمْ بِأَيِّ عَمَلٍ مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي لِلدَّولَةِ، كَانَ إِذَا عَرَضَتْ لَهُ نَازِلَةٌ دَعَا المُسْلِمِينَ إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ يَدْعُو النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ، وَيَأْخُذُ رَأْيَهُمْ جَمِيعاً، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ حِينَ رَدَّتْهُ امْرَأَةٌ فِي أَمْرِ تَحْدِيدِ المُهُورِ. وَكَمَا أَنَّ لِلمُسْلِمِينَ الحَقُّ فِي مَجْلِسِ الأُمَّةِ، فَإِنَّ غَيرَ المُسْلِمِينَ كَذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَتَمَثَّلُوا فِي مَجْلِسِ الأُمَّةِ، وَيَكُونُوا نُوَّاباً فِيهِ عَنْ مُنْتَخِبِيهِمْ لِيُبْدُوا الرَّأْيَ نِيَابَةً عَنْهُمْ فِي إِسَاءَةِ تَطبِيقِ أَحْكَامِ الإِسْلَامِ عَلَيهِمْ، وَفِيمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الحَاكِمِ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).(النحل 43) وَالمُرادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلَ الكِتَابِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ كُفَّارٌ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِسُؤَالِهِمْ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ إِبْدَاءُ الرَّأْيِ فِي أُمُورِهِمْ. غَيرَ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَيسَ لِغَيرِ المُسْلِمِينَ الحَقُّ فِي إِبْدَاءِ الرَّأْيِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ الإِسْلَامِيَّ يَنبَثِقُ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، فَهُوَ أَحْكَامٌ شَرعِيَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُستَنبَطَةٌ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُعَالِجُ مَشَاكِلَ الإِنسَانِ حَسَبَ وُجْهَةِ نَظَرٍ مُعَيَّنَةٍ تُعَيِّنُهَا العَقِيدَةُ الإِسلَامِيَّةُ، وَغَيرُ المُسْلِمِ يَعْتَنِقُ عَقِيدَةً تُنَاقِضُ العَقِيدَةَ الإِسلَامِيَّةَ، وَوُجْهَةُ نَظَرِهِ فِي الحَيَاةِ تَتَنَاقَضُ مَعَ وُجْهَةِ نَظَرِ الإِسْلَامِ، فَلَا يُؤْخَذُ رَأْيُهُ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَكَذَلِكَ لَيسَ لِغَيرِ المُسْلِمِ الحَقُّ فِي انتِخَابِ الخَلِيفَةِ، وَلَا فِي حَصْرِ المُرَشَّحِينَ لِلْخِلَافَةِ لِيُنْتَخَبَ مِنْهُمُ الخَلِيفَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ لَهُ الحَقُّ فِي الحُكْمِ. أَمَّا بَاقِي الأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ صَلَاحِيَّاتِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ، فَهُوَ كَالمُسْلِمِ فِيهَا, وَفِي إِبْدَاءِ الرَّأْيِ بِشَأْنِهَا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.