وقفات مع القرآن الكريم الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدبَارِهِم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه:{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } .
إن موالاة الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله من الجرائم الكبرى في الإسلام، كما أن التصفيق لسيئاتهم والنفاق أمامهم هي من علامات السقوط، أمَّا طاعتهم في ظلمهم وفسقهم وعدم التغيير عليهم وإنكار مؤامراتهم فهي مما يُجَرِّئُ الظلمة على محارم الله وعلى عباد الله.
إن الله سبحانه هو الحق، وإن كلماته هي الحق، والنظام الذي وضعه سبحانه هو الذي يصلح الخلق، وسواه باطل باطل يفسد ولا يصلح، ويسيء ولا يحسن.
ولنتدبر هذه الآيات البينات:
1 ـ إن الله سبحانه توعَّد الذين ارتدوا بعدما تبيَّن لهم الحق، وعدَّهم سبحانه ممَّن انقادوا للشيطان واتبعوه، فزيَّن لهم الشيطان السوء وأضلهم على علم { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } .
2 ـ ثم إن الله سبحانه بيَّن سبب مصيرهم هذا المظلم { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ } .
إنهم ليسوا هم الذين كرهوا ما أنزل الله بل هم الذين قالوا لهؤلاء الكارهين سنطيعكم، وهم لم يقولوا لهم سنطيعكم في كلِّ الأمر بل قالوا { سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ }، فكيف بالذين كرهوا ما أنزل الله، الذين لا يحكمون بما أنزل الله، وكيف بأولئك المنافقين بطانة الحكام الفاسدة المفسدة في بلاد المسلمين الذين يسبحون بحمد الحكام، ويصنعون لهم من الفضائل ما لا يخطر على بال الحكام أنفسهم، يُصفِّقون لهم على الغثّ والسمين بل الغث على الدوام، يطيعونهم في كل أمر، ويقتلون الناس إرضاءً للحاكم، وينهبون ثروات العباد لإشباع شهوات المتسلّطين على رقاب الناس. يكونون يد الحاكم ورجله في تنفيذ المؤامرات والتفريط في المقدسات، لا يستحيون من الله ولا من عباد الله، صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
3 ـ لقد بين الله سبحانه عقابهم الشديد على سوء صنيعهم فالملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم يوم القيامة للدلالة على شدة عذابهم، ذلك لأنهم كانوا في دنياهم أتباعاً لكل ما يغضب الله، أتباعاً للظالمين لا يُغَيِّرون عليهم بقول أو فعل، يتبعون ما يسخط الله ويكرهون رضوانه، وتكون النتيجة أن تحبط أعمالهم ويكونوا من الخاسرين { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }.
4 ـ إنه لحريّ بأصحاب العقول أن يتدبّروا هذه الآيات ليدركوا أن طاعة الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله في أمر واحد من أوامرهم تكون جريمة يستحقون عليها العذاب الشديد، فكيف بطاعتهم في كلِّ الأمر. بل إن مجرد الرضى والسكوت على ظلمهم يوصل إلى سخط الله وغضبه. يقول صلى الله عليه وسلم : «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» (رواه مسلم) .
إن طاعة الناس للحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله تزيد هؤلاء الظالمين ظلماً، وتجرئهم على التمادي في المنكر والموبقات، وتزيدهم استخفافاً بالناس واستهتاراً بهم كحال فرعون مع قومه {فاستخف قومَهُ فأطاعوه} .
إن ما نراه من جرأة الحكام في بلاد المسلمين على دين الله وعباد الله وأرض الله ما هو إلا بسبب سكوت الناس وطاعتهم لهم في معاصيهم وعدم التغيير والإنكار عليهم. لهذا والَوْا الدول الكافرة المستعمرة ومكَّنوا اليهود من اغتصاب أرض الإسراء والمعراج، ثم يرون اليهود يرتكبون المجازر في فلسطين على مرأى منهم ومسمع وهم جلوس في مقاعد المتفرجين كأن الأمر لا يعنيهم.
فهل يتدبر المسلمون آيات الله، ولا يطيعون الظالمين بل يعملون على تغييرهم؟ هل يتدبرون؟