الصائم مع القرآن والسنة الصائم المتشوق للجنة العامل لها
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أَعْجَبُ لمن عَلِمَ عن الجنةِ وما فيها كيف يَنامُ عنْ طَلَبِها.
أَعْجَبُ لمن عَلِمَ عن الجنةِ وما فيها كيفَ يُفَضِّلُ الدنيا عليها.
إنّ فيها ( ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذُنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ )، وقال عزّ من قائلٍ: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ، يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ، لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) الزخرف 70-73, فيها السرورُ والْحُبورُ بصحبةِ الأزواجِ، ويطوفُ عليهم وِلدانٌ مُخَلَّدونَ، بأكوابٍ وأباريقَ وكأسٍ من مَعينٍ، وِلدانٌ كأنهم اللؤلؤُ المنثور، يطوفونَ عليهم بِصِحافٍ منْ ذَهَبٍ، وأكوابٍ كانت قواريراً، قواريرَ من فضةٍ قدّروها تقديراً، وفيها كلُّ ما تشتهيه الأنفسُ، وتَلْتَذُّ الأعينُ برؤيتِهِ، وفيها الخلودُ الحقيقيُّ، الحياةُ الهانئةُ الرَّغْدَةُ التي لا تنتهي ولا تنقطعٌ، ولا ينقطعُ نعيمُها، وطَعامُ أهلِ الجنةِ من الفاكهةِ الكثيرةِ، وفيها لحمُ طيرٍ مما يشتهونَ، وفيها الحورُ العينُ، وفيها الأنهارُ تجريْ من تحتِهم، وفيها القصور العظيمة.
وقال الله عزَّ وجل: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة17، وكما يُقَالُ: المخفيُّ أعظَمُ، وهذا الأسلوبُ في التعبيرِ له من الشِّدَّةِ في التشويقِ إلى الجنةِ ما لا يَقِلُّ عن الأوصافِ السابقةِ للجنةِ وما فيها من أنواع النعيم، إنْ لم يكنْ أكثرَ أو أشدَّ.
وعن حُلِيِّ أهل الجنةِ ولباسِهم قالَ سبحانه: ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ) فاطر33.
وقالَ الحقُّ جلَّ وعلا: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) الزمر 73-74, فأهلُ الجنةِ يتبوَّأون منها حيثُ يشاءونَ، وتتلقّاهُمُ الملائكةُ: ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) الانبياء103.
هذه الجنةُ، بل الجنتانِ ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) الرحمن46، بل الجناتُ؛ بما فيها من نعيمٍ مقيمٍ لا يزولُ ولا يتحوَّلُ ولا ينقطع، ولا يذوقونَ فيها الموتَ إلاّ الْمَوْتَةَ الأولى، يتقلّبونَ في نعيمِها، هذه الجناتُ هي الجائزةُ الكبرى لمن خافَ مقامَ ربِّهِ، ولمنْ أطاعَ اللهَ وأطاعَ رسولَه صلى الله عليه وسلم، ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا ) النساء69.
فمنْ أولى من الصائمِ بطَلَبِ الجنةِ والشوقِ إليها، والعملِ في طاعةِ الله تعالى وطاعةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، والتضحيةِ من أجلِها، وجَعْلِ رضوانِ اللهِ تعالى هو الغايةَ القُصوى، والْمَثَلَ الأعلى، فيكونَ من أهلِ الجنةِ؟ فهو الأولى بذلك، فهو لم يتركْ طَعامَهُ وشرابَهُ وشهواتِهِ، ولم يسهَرِ اللياليَ تالياً للقرآن، قانتاً قائماً وساجداً يحذرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّهِ، إلا لتحصيلِ تلك المنازلِ العاليةِ.