السبت، 28 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نَفائِسُ الثَّمَراتِ فريقا الجنة والنار

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أقام الله سبحانه هذا الخلق بين الأمر والنهي والعطاء والمنع ‏.‏ فافترقوا فرقتين‏:‏ فرقة قابلت أمره بالترك ونهيه بالارتكاب وعطاءه بالغفلة عن الشكر، ومنعه بالسخط، وهؤلاء أعداؤه ، وفيهم من العداوة بحسب ما فيهم من ذلك‏.‏ وقسم قالوا‏:‏ إنما نحن عبيدك ، فإن أمرتنا سارعنا إلى الإجابة ، وإن نهيتنا أمسكنا نفوسنا وكففناها عما نهيتنا عنه، وإن أعطيتنا حمدناك وشكرناك، وإن منعتنا تضرعنا إليك وذكرناك‏.‏ فليس بين هؤلاء وبين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا، فإذا مزقه عليهم الموت صاروا إلى النعيم المقيم وقرة الأعين ‏.‏ كما أن أولئك ليس بينهم وبين النار إلا ستر الحياة ، فإذا مزقه الموت صاروا إلى الحسرة والألم ‏.‏

 

فإذا تصادمت جيوش الدنيا والآخرة في قلبك ، وأردت أن تعلم من أي الفريقين أنت ، فانظر مع من تميل منهما ومع من تقاتل إذ لا يمكنك الوقوف بين الجيشين ، فأنت مع إحداهما لا محالة ‏.‏ فالفريق الأول استغشوا الهوى واستنصحوا العقل فشاوروه ، وفرغوا قلوبهم للفكر فيما خلقوا له ، وجوارحهم للعمل بما أمروا به ، وأوقاتهم لعمارتها بما يعمر منازلهم في الآخرة ، واستظهروا على سرعة الأجل بالمبادرة إلى العمل ، وسكنوا الدنيا وقلوبهم مسافرة عنها ، واستوطنوا الآخرة قبل انتقالهم إليها ، واهتموا بالله وطاعته على قدر حاجتهم إليه ، وتزودوا للآخرة على قدر مقامهم فيها ، فعجل لهم سبحانه من نعيم الجنة وروحها إن آنسهم بنفسه وأقبل بقلوبهم إليه وجمعها على محبته وشوقهم إلى لقائه ونعمهم بقربه وفرغ قلوبهم مما ملأ قلوب غيرهم من محبة الدنيا والهم والحزن على فوتها والغم من خوف ذهابها ، فاستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدانهم ، والملأ الأعلى بأرواحهم‏.‏

 

كتاب الفوائد   

لابن قيم الجوزية

 

وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع