نداء ذي الحجة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ
قد يفهم البعض بأن دين الإسلام هو فقط دين الثوب والسواك وإطلاق اللحية وبناء المساجد. وقد يفهم البعض الآخر بأن دين الإسلام يأمر المسلم فقط بالصلاة والصيام والزكاة والحج وإجتناب المحرمات. وفي الحقيقة، مثل هذه الأفهام يُعتبر مسخا لدين الإسلام العظيم وجعله دينا كهنوتيا. ولسنا هنا بصدد سرد أحكام الإسلام التي طلب الشارع القيام بها، فهذا يحتاج إلى مجلدات، ولكننا بصدد الإشارة إلى ثلاثة أمور من الإسلام، غابت عن بعض المسلمين، فقصر المسلمون بها، رغم أن كل مسلم طالب بها، كما سيأتي بإذن الله تعالى. فكان نداء ذو الحجة، في هذه الأيام المباركة، تذكيرا بهذه الأمور الثلاثة:
أولا: من المعلوم بأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا شهد بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولكن شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله فرغت اليوم عن مدلولها ومقتضاها الحقيقي؟ فلا إله إلا الله محمد رسول الله تعني أن لا معبود بحق إلا اللهْ، بالطريقة التي أوحى الله بها إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وعبادة الله لا تكون فقط بالإعتراف به كخالق، فالعرب في الجاهليه لم ينكروا أن الله هو الخالق، قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} ، وقال تعالى { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله }، وقال تعالى على لسان كفار قريش { ليقربونا إلى الله زلفى}. بلْ عبادة الله تكون أيضا بالإقرار بأن الله عز وجل هو الآمر والناهي، قال تعالى { ألا له الخلق والأمر }، وقال تعالى { إن الحكم إلا لله }، ويزداد هذا المعنى وضوحا في قصة عدي إبن حاتم الطائ المعروفة عند سماعه لرسول الله صلى اللهْ عليه وسلم يتلو قول الله تعالى {إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله }، فقال عدي: إنهم لم يعبدوهم، فقال صلوات ربي وسلامه عليه: بل إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم.
وبالنظر في واقعنا اليوم، نرى بأن أوامر الله تعالى في الحكم والإقتصاد والإجتماع والعقوبات والقضاء والجهاد غير مطبقة، واستبدل عوضا عنها بأنظمة كفر، ما أنزل الله بها من سلطان. وهذا يتناقض مع شهادتنا بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعليه، فإن الأمر الأول الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو العمل لإقامة دولة الإسلام والتي لا ولن يتحقق مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله الحقيقي إلا بوجودها.
ولا يقال بأن أحكام الكفر المطبقة على المسلمين اليوم يلام عليها الحكام فحسب. لا يقال ذلك، لأن الأمر بالحكم بما أنزل الله مخاطبة به الأمة كأمة، وليس الحكام فحسب، قال تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله)، وقال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } ، وقال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الكافرون } . فتطبيق الإسلام فرض على الأمة، ومن تطبيق الأمة للإسلام أن تنصب حاكما واحدا ينوب عنها في تطبيق الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم).
فإن قصر الحاكم في أمر من أمور الإسلام، أمرته الأمة بالمعروف ونهته عن المنكر، قال تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون }، وقال صلى الله عليه وسلم { لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا } . فأمر حكام اليوم بالمعروف ونهيهم عن المنكر واجب، وإلا سيكون الندم يوم لا ينفع الندم، قال تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب ولعنهم لعنا كبيرا } .
ثانيا: إن القضية الأساسية للرسول صلى اللهُ عليه وسلم وهو في مكة في دور الدعوة كانت إظهار الإسلام، ولذلك قال لعمه أبي طالب ( يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركتُه) . وحين كان في المدينة وأقام الدولة واشتبك في عدة معارك مع العدو الرئيسي رأس الكفر حينئذ قريش، ظلت القضية الأساسية له هي إظهار الإسلام، ولذلك فإنه في طريقه إلى الحج قبل أن يصل إلى الحديبية بلغه أن قريشا سمعت به وخرجت لحربه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)، والسالفة صفحة العنق، وكنى بانفرادها عن الموت، أي حتى أموت. وبعد أن توصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصلح مع قريش، وكان بذلك الفتح الأكبر، لأنه هيأ لفتح مكة، وجعل العرب يأتون إلى الرسول صلى اللهُ عليه وسلم يدخلون في دين الله أفواجا، حينئذ صارت القضية الأساسية للرسول صلى الله عليه وسلم ليس إظهار الإسلام فحسب بل إظهاره على الدين كله في غزوه دول أصحاب الأديان الأخرى، كالروم وفارس. ولذلك نزلت عليه سورة الفتح ونزل فيها قول الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}. وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين بأن هذه قضيتهم هم أيضا، وليست فقط قضية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصة ربعي بن عامر تشهد بذلك، حيث قال لملك الفرس (لقد أخرجنا الله- ولم يقل أخرج محمدا، صلى الله عليه وسلم- لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الاخرة). وعليه، فإن الأمر الثاني الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو جعل قضية الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية، والتي كانت إظهار الدين، قضيتة أساسية له، فيكون ذلك هم كل مسلم ومحور حياته وشغله الشاغل.
ثالثا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أننا أمة واحدة من دون الناس، حربها واحدة وسلمها واحدة، وقال تعالى { إنما المؤمنون أخوة }، وقال تعالى { فإن استنصروكم بالدين فعليكم النصر }، وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسدِ بالحمى والسهر)، وجاء في الحديث (اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: اُبايعك على الاسلام فشرط علي والنصح لكل مسلم). وعليه، فإن الأمر الثالث الذي يجب على كل مسلم القيام به في هذه الأيام المباركة، إن لم يكن أصلا من العاملين به، هو نصر المستنصرين الذين ضجت بهم شاشات التلفاز في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والبوسنة والشيشان والصومال وأوزباكستان وغيرها من بلاد المسلمين، والسهر والحمى بكل ما تحمل الكلمة من معنى لواقعهم المرير، وإخلاص النصح لهم، والعمل على إيجاد "أبو العيال" الذي قال فيه الرسول صلى اللهُ عليه وسلم (إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به)
هذه الثلاثة أمور قد تكون غابت عن بعضِ المسلمين، فكان التذكير بها لقوله تعالى { فذكر إن الذكرى تنفعُ المؤمنين }. فلنري الله فينا خيرا في هذه الأيام المباركة من ذي الحجة.
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }