معالم الإيمان المستنير ح2 الكون لم يخلق صدفة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
إليكم هذا "الرد على القائلين بأن الكون قد تكون بطريق المصادفة دون سابق تفكير أو تدبير" إن المصادفة تكون أحيانا ممكنة, وتكون أحيانا في حكم المستحيلة عقلا, وسنضرب أمثلة نبين فيها حالة الإمكان, وحالة الاستحالة: لو أخبرك مخبر أنه شاهد ثلاثة رجال اجتمعوا بباب مسجد بطريق المصادفة ومن غير سابق هدف وتفكير , فإنك لا تستغرب هذا الخبر ؛ لأن المصادفة ممكنة. أما لو أخبرك مخبر أنه شاهد مائة رجل اجتمعوا بباب المسجد بطريق المصادفة ومن غير هدف وتفكير سابقين, لاستغربت الخبر, ولكان حظه من التصديق أقل من حظ الخبر الأول, لماذا يا ترى؟ لأن حظ المصادفة من التصديق يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانات المتكافئة المتزاحمة. أي كلما كان عدد الإمكانات أقل كان التصديق أكثر, فإذا زاد العدد قل التصديق, حتى إذا بلغ العدد رقما كبيرا انعدم التصديق, كما لو أخبرك مخبر أنه شاهد عشرة آلاف رجل تجمعوا في مسجد كبير, أو ميدان كبير كميدان التحرير في القاهرة مثلا, وانتظموا في صفوف متوازية يقومون بحركات متشابهة, يركعون جميعا, ويرفعون ويسجدون جميعا, ويجلسون ويتلفظون بكلمات واحدة, ويقومون بأعمال منسقة, وبعد أن فرغوا من أداء الصلاة أخذوا جميعا يهتفون بإسقاط النظام, كل ذلك يعملونه بطريق المصادفة, ومن غير سابق هدف أو تفكير, أيصدق عقلك؟ الجواب بالقطع لا؛ لأن المصادفة في تلك الحالة تستحيل عقلا! وكيف لو قال عالم من علماء الفلك: إن مئات الملايين من الكواكب والنجوم وجدت في هذا الكون لتسير حسب نظام دقيق, وأبعاد متناسبة, وحركات منسقة, وسرعة معينة, ومنازل مقدرة متناسبة, تسير في المجموعة الشمسية متدرجة متضاعفة, فلو قال قائل: إنها وجدت بطريق المصادفة, ومن غير سابق تفكير أو تدبير لنظر إليه بازدراء واحتقار! هل دوران الأرض حول الشمس في كل ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع اليوم مرة واحدة, ودورانها حول محورها في كل أربع وعشرين ساعة مرة محدثة الليل والنهار, والسنين والأيام, وهل دورانها حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة, ودورانها حول الشمس بسرعة خمسة وستين ألف ميل في الساعة, ودورانها بحيث لو كانت سرعتها مائة ميل في الساعة لكان طول النهار مائة وعشرين ساعة, وهل خطها على مدارها بشكل مائل بمقدار ثلاث وعشرين درجة بحيث لو زاد درجة أو نقص درجة لاختل نظام الفصول الأربعة على ظهرها, وهل وجودها بشكل كروي محدثا تعاقب الفصول الأربعة, بحيث لو لم تكن كروية لكانت إما نهارا سرمدا, وإما ليلا سرمدا, فهل كل هذه النسب المحددة والأوضاع المنسقة حصلت بطريق المصادفة, ومن غير أن تسبق بتفكير أو تدبير؟ إنك لو نظرت إلى آلة هندسية كالفرجار مثلا, لرأيت أحد الرأسين مدببا, والآخر فيه مقبض حديدي قابل أن يوضع فيه قلم أو قطعة طباشير, فتدرك سبب اختلاف الرأسين, وأن وجودهما على ذلك الوضع لم يكن عبثا, ولا بطريق المصادفة, بل لمصلحة توخاها صانع الفرجار, وبحيث لو كان رأساه على غير ما هما عليه لما أديا تلك المصلحة, فيكون واضعها قد فكر فيهما قبل وضعهما, لذلك وضع تصميما بحيث يؤديان ما يريد واضعهما.
ولو نظر امرؤ إلى قطع ساعة يدوية, كيف أنها في وضعها وترتيبها تعطي نظاما للساعات والدقائق والثواني, بحيث لو نزعت قطعة من مكانها, أو وضعت قطعة في مكان غير مكانها, لتعطل العمل ولاختل النظام, فيدرك من ذلك أن وضع كل آلة أو قطعة في مكانها المعين لم يكن عبثا, ولا مصادفة, وإنما لغاية أرادها لها واضعها, فيكون وضعها في أماكنها قد حصل بتفكير وتدبير معين لتؤدي النظام الذي فرضه عليها مهندسها, لأن النظام مفروض عليها من قبله, لذلك رتب آلاتها أو قطعها على وضع معين لتعطي ذلك النظام, فالنظام لا يمكن أن يحصل بمجرد وجود الأشياء متقاربة أو متباعدة لا يوجد نظاما, فقطع الساعة لو وضعت مجتمعة أو متناثرة لا يحصل من مجرد وضعها نظام, ولكن وضعها بشكل معين هو الذي يحدث فيها النظام, وإذا فالوضع المعين مفروض عليها فرضا فمن الذي فرض عليها ذلك الوضع؟ إنه المهندس الذي صمم تلك القطع, وحدد أماكنها؛ ليحصل من وضعها المعين النظام الذي يريده, ومن هنا يتبين أن نظام الساعة ليس جزءا منها, وإلا لوجد النظام من مجرد وجود قطعها مجتمعة أو متناثرة, وليس نظام الساعة خاصية من خواصها, إذ لو كان الأمر كذلك لأحدثت لنفسها نظاما يتفق مع كل وضع من أوضاعها. ولله المثل الأعلى, فما ينطبق على قطع الساعة ينطبق على أجزاء الكون من كواكب ونجوم ومجرات, كلها تسير بنظام دقيق. وهذا النظام لم يحصل بمجرد اجتماعها, وهو ليس جزءا منها, وليس خاصية من خواصها, ولا هي أحدثته لنفسها, وإنما فرض عليها من قبل خالقها الذي خلقها. وعليه فإن الكون لم يتكون بطريق المصادفة دون سابق تفكير أو تدبير. بل له خالق خلقه وهو الله سبحانه وتعالى.