المعلم الثاني عشر: من أسماء الله الحسنى (ح10) الحكيم ج2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحكيم: اسم من أسماء الله الحسنى، وقد تحدثنا عنه في الحلقة السابقة, بقي أن نسأل: لقد ذكرت الحكمة في مواضع كثيرة في الكتاب والسنة... فما المقصود بالحكمة؟ وماذا تعني؟ والجواب: جاء ذكر الحكمة في القرآن الكريم في عدة مواضع، ولكل موضع تفسير، فمن معاني الحكمة في القرآن:
أولا: الحكمة بمعنى السنة: فقد فسر كثير من المفسرين الحكمة الواردة في قوله تعالى: (ويعلمهم الكتاب والحكمة). (البقرة 129) بالسنة النبوية، ذكر ذلك ابن جرير الطبري وابن كثير والبيضاوي والشوكاني والبغوي وغيرهم، ومما يؤيد هذا التفسير ذكر الكتاب مقرونا بالحكمة في الآية الكريمة، والمراد بالكتاب القرآن.
وهناك أقوال أخرى في الحكمة ذكرها ابن جرير بعد تصديره بتفسير الحكمة بالسنة، فقال: وقال بعضهم: الحكمة، هي المعرفة بالدين والفقه فيه، وقيل: الحكمة شيء يجعله الله في القلب ينور له به. قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في الحكمة أنها العلم بأحكام الله والمعرفة بها، التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم وما دل عليه ذلك من نظائره، وهو عندي مأخوذ من الحكم الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل، والحكمة بمنزلة الجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، يقال: إن فلانا لحكيم بين الحكمة، يعني: إنه لبين الإصابة في القول والفعل.
ثانيا: الحكمة بمعنى إصابة الحق بالعلم والعقل، أو هي وضع الشيء في موضعه، فهي في الرأي سداد، وفي القول صواب، وفي الفعل استقامة، والشخص الذي عنده هذه المعاني يكون موفقا وسعيدا في دنياه وأخراه، كما قال تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا). (البقرة 169) ومنهم الأنبياء ومن على شاكلتهم، كقوله سبحانه في لقمان: (ولقد آتينا لقمان الحكمة). (لقمان12) وهي المطلوبة في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). (النحل125) والله أعلم.
أخرج البخاري في باب كتاب العلم, عن علي موقوفا: "حدثوا الناس بما يعرفون. أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!" وجاء في كتاب "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس"للمفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الدمشقي الشافعي قال: "لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم". رواه ابن عساكر عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم قام في بني إسرائيل فقال: "يا معشر الحواريين, لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها، والأمور ثلاثة: أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين لكم غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم فيه فذروا علمه إلى الله تعالى". وجاء في سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب".
نسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الحكمة والسداد في الرأي, والإخلاص في القول والعمل والنية والاعتقاد إنه سميع مجيب الدعاء.
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.