السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

تأملات في كتاب:(من مقومات النفسية الإسلامية) الحلقة المـائة وخمس عشرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على إمام المتقين, وسيد المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق: عنوان حلقتنا لهذا اليوم هو: "سنة الله في التغيير".

 

قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ(52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(53)كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ(54)إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ(55)} وقال سبحانه: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ }. (الرعد11) ولنا عند هذه الآية القرآنية في سورة الرعد وقفة تأمل وتدبر: هناك تغييران: تغيير من الله تعالى, وتغيير من القوم, واقتضت سنة الله في خلقه أن لا يحدث التغيير الإلهي إلا بعد حدوث التغيير من القوم, أي من الناس عموما؛ لأن كلمة قوم جاءت نكرة تفيد العموم. ولتوضيح معنى الآية الكريمة عليكم أن تتمثلوا أمامكم ميزانا له كفتان يمنى ويسرى بينهما مؤشر التعادل والتساوي: في اليمنى التغيير الإلهي, وفي اليسرى التغيير من القوم, وأي تغيير يحدث في الكفة اليسرى من القوم يتبعه تغيير في الكفة اليمنى من الله تعالى, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر. ولكي تتضح الصورة أكثر تأملوا اللفظين الآتيين الواردين في الآية الكريمة وهما: {ما بقوم}و{ما بأنفسهم}. لعلكم لاحظتم اقتران هذين اللفظين بالاسم الموصول {ما} وبحرف الجر {الباء} فما المعنى المقصود بكل لفظ من هذين اللفظين؟ للإجابة نقول: إن حرف {الباء} في لفظ {ما بقوم} يفيد معنى الالتصاق, أي الحال الملاصق بهؤلاء القوم, فالله سبحانه وتعالى يغير حالهم الملاصق بهم والملازم لهم على أربعة أوجه: اثنان إيجابيان, واثنان آخران سلبيان؛

 

وذلك بحسب طاعتهم أو معصيتهم له, وبحسب رضاه عنهم, أو غضبه عليهم, فيغير حالهم كالآتي:
أولا: إن كانوا مطيعين له سبحانه, وازدادوا طاعة؛ فإنه يغير حالهم تغييرا إيجابيا من حال حسن إلى حال أحسن.
ثانيا: إن تحولوا من طاعة الله إلى معصيته سبحانه؛ فإنه يغير حالهم تغييرا سلبيا من حال حسن إلى حال سيء.
ثالثا: إن تحولوا من معصية الله إلى طاعته سبحانه؛ فإنه يغير حالهم تغييرا إيجابيا من حال سيء إلى حال حسن.
رابعا: إن كانوا عاصين له سبحانه, وازدادوا معصية؛ فإنه يغير حالهم تغييرا سلبيا من حال سيء إلى حال أسوأ. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}. (الأعراف96) ويؤيد هذا الرأي الذي ذهبنا إليه ما ورد في جامع الأحاديث القدسية, وفي كنز العمال عن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منبر الكوفة فقال: كنت إن لم أسأل النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأني, وإن سألته عن الخبر أنبأني, وإنه حدثني عن ربه قال: يقول الله تعالى: "وعزتي وجلالي, وارتفاعي فوق عرشي, ما من أهل قرية, ولا من أهل بيت, ولا رجل ببادية, كانوا على ما كرهت من معصيتي, ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلي ما يحبون من رحمتي, وما من أهل قرية, ولا من أهل بيت, ولا رجل ببادية, كانوا على ما أحببت من طاعتي, ثم تحولوا عنها إلى ما كرهت من معصيتي, إلا تحولت لهم عما يحبون من رحمتي إلى ما يكرهون من غضبى".

 

وأما معنى حرف {الباء} في لفظ {ما بأنفسهم} فإنه يفيد الظرفية, أي ما هو كامن في أعماق نفوسهم. فما هو هذا الشيء الكامن في أعماق النفوس الذي إذا هم غيروه غير الله حالهم على أربعة أوجه, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر؟ لا شك في أنه شيء موجود داخل نفوس القوم, بل هما شيئان اثنان يؤثران في بناء الشخصية. وهما: العقلية والنفسية. أما العقلية فالمراد بتغييرها تغيير الأفكار والمفاهيم والمقاييس والقناعات, وبالتالي في النهاية لا بد من تغيير أنظمة الحكم بحسبها. وأما النفسية: فالمراد بتغييرها تغيير المشاعر القلبية المتعلقة بهوى النفس كالحب والبغض, وفي ذلك قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. (النساء65) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع