المعلم السابع عشر: واجب المسلم بعد الإيمان بعقيدة الإسلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
بعد الإيمان بعقيدة الإسلام كان لزاما على كل مسلم أن يؤمن بالشريعة الإسلامية، كلها امتثالا لقول الله جل في علاه: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). (البقرة 208) أي ادخلوا في الإسلام كاملا بجميع شرائعه؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت من عند الله تعالى, ومنكرها كافر، وكان إنكار الأحكام الشرعية جملة كفرا، كمن يقول: إن الإسلام دين يناسب عصر الناقة والجمل, ولا يناسب عصر الكمبيوتر والإنترنت. وإنكار الأحكام التفصيلية القطعية الدلالة, والقطعية الثبوت كفر سواء أكانت متعلقة بالأحكام التي تنظم علاقة العبد بخالقة مثل: العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد. أو بالأحكام التي تنظم علاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان مثل: المعاملات كالأحكام السلطانية, ومنها السياسة الاقتصادية, والسياسة التعليمية والسياسة الخارجية. والعقوبات كالأحكام المتعلقة بالحدود والجنايات والتعزير والمخالفات. أو بالأحكام التي تنظم علاقة الإنسان بنفسه مثل: المطعومات كالأحكام المتعلقة بالطعام والشراب. والملبوسات والزينة أو بالأحكام المتعلقة بصفات الفرد المحمودة كالصدق والأمانة والوفاء، والصفات المذمومة كالكذب والخيانة والغش. فالكفر بآية: ( وأحل الله البيع وحرم الربا). (البقرة 275) كالكفر بآية: ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). (البقرة 43) والكفر بآية: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله). (المائدة 38) كالكفر بآية: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام). (البقرة 183) وكالكفر بقوله تعالى: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع). (النساء:3) وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات, وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم".
أيها المؤمنون:
ولا يتوقف التسليم بالحكم الشرعي على العقل؛ لأن وظيفة العقل هي التفكير في آثار الله المبثوثة في الكون والإنسان والحياة؛ ليستدل منها على وجود الله تعالى، وعلى أن القرآن من عند الله وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله. أما الأحكام التشريعية التي تنظم حياة الناس فلا دخل للعقول في وضعها، إنما وظيفته فقط فهم الواقع وفهم النص وفهم مدى انطباق النص على الواقع لاستنباط الحكم الشرعي. ولا يقال: إنما يجب أن يقتنع العقل بالحكم الشرعي حتى يطبقه، بل يجب أن يطبق الحكم الشرعي ويلتزم به بمجرد ثبوته بالنص سواء أدركه العقل أم لا، ومن هنا وجب التسليم المطلق بكل ما جاء من عند الله لقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). (النساء65) قال الإمام الشوكاني في كتابه "فتح القدير" عند تفسيره لهذه الآية الكريمة من سورة النساء: قوله: {فلا وربك}. قال ابن جرير: قوله: {فلا} رد على ما تقدم ذكره ، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، ثم استأنف القسم بقوله: {وربك لا يؤمنون} وقيل: إنه قدم "لا" على القسم اهتماما بالنفي، وإظهارا لقوته، ثم كرره بعد القسم تأكيدا، وقيل: لا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد معنى النفي، والتقدير: فوربك لا يؤمنون، {حتى يحكموك} أي: يجعلوك حكما بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحدا غيرك. وقيل: معناه: يتحاكمون إليك، ولا ملجىء لذلك {فيما شجر بينهم} أي: اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لاختلاف أغصانه، ومنه: تشاجر الرماح، أي: اختلافها {ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت} قيل: هو معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام، أي: فتقضي بينهم، ثم لا يجدوا. والحرج: الضيق، وقيل: الشك، ومنه قيل للشجر الملتف: حرج وحرجة، وجمعها حراج. وقيل: الحرج: الإثم، أي: لا يجدون في أنفسهم إثما بإنكارهم ما قضيت {ويسلموا تسليما} أي: ينقادوا لأمرك، وقضائك انقيادا لا يخالفونه في شيء. قال الزجاج : {تسليما} مصدر مؤكد، أي: ويسلمون لحكمك تسليما لا يدخلون على أنفسهم شكا، ولا شبهة فيه. والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم. وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود، وترجف له الأفئدة، فإنه أولا أقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله، حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال: {ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت} فضم إلى التحكيم أمرا آخر، وهو عدم وجود حرج، أي: حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم، والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج وانشراح قلب وطيب نفس، ثم لم يكتف بهذا كله، بل ضم إليه قوله: {ويسلموا} أي: يذعنوا، وينقادوا ظاهرا وباطنا، ثم لم يكتف بذلك، بل ضم إليه المصدر المؤكد، فقال: {تسليما} فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم، ولا يجد الحرج في صدره بما قضي عليه، ويسلم لحكم الله وشرعه، تسليما لا يخالطه رد، ولا تشوبه مخالفة. روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري: سرح الماء يمر, فأبى عليه فاختصما عند النبي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير, ثم أرسل الماء إلى جارك, فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر". فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.