الإثنين، 21 صَفر 1446هـ| 2024/08/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

معالم الإيمان المستنير الإيمان باليوم الآخر ح4

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أيها المؤمنون :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد :

 

لقد أسهبت الأحاديث النبوية في وصف اليوم الآخر، وما فيه من الحشر والحساب والنعيم والعذاب، وعلى المستويات المذكورة في القرآن الكريم، بل بتفصيل أكثر وتوضيح أوفر، وسنقتصر في هذا المقام على ذكر بعض الأحاديث الدالة على وجوب المعاد وضرورته وحتميته.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني عبد المطلب، إن الرائد لا يكذب أهله، والذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار، وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عزوجل كخلق نفس واحدة وبعثها، قال الله تعالى: (ما خلقكم ولأ بعثكم إلا كنفس واحدة). (البقرة 177) وقال صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة: حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنى رسول الله بعثني بالحق، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر".

 

إن الاعتقاد باليوم الآخر هو عقيدة المسلمين كافة، وإن الإيمان باليوم الآخر من ضرورات الدين التي يجب الاعتقاد بها، ومن أنكرها فهو خارج عن عداد المسلمين. وما يردده المسلمون كل يوم في صلواتهم هو تعبير عن إيمانهم بوجود الحياة بعد الموت، فهم يرددون قوله تعالى من سورة الفاتحة: ( مالك يوم الدين ).


جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين :

 

أولا : برهان المماثلة :

 

ورد في القرآن الكريم بعض الأمثلة، في المساواة بين الإحياء في الدنيا والإحياء في الآخرة، وذلك من خلال نمطين في المماثلة؛ الأول: مماثلة النشأة الأولى من العدم بالنشأة الآخرة، والثاني: مماثلة إحياء الأرض بعد موتها بالإحياء في الآخرة، والعقل يحكم بتساوي الأمثال في الحكم، ومنه يتبين أن القادر على الإحياء الأول قادر على الإحياء الآخر؛ لأنهما مثلان.

 

النمط الأول من المماثلة :

 

ونريد به البرهان على المعاد من خلال المبدأ، عن طريق المماثلة بينهما، فقد أكد الكتاب الكريم على إمكان المعاد عن طريق ثبوت مثله أولا، وذلك بالمماثلة بين إيجاد الإنسان في هذه الدنيا بعد أن كان عدما ـ كما في خلق آدم عليه السلام ابتداء من غير مادة لأب وأم, وبين إعادته إلى الحياة بعد الموت والفناء؛ فقال تعالى: ( يا أيها الناس إن كنتم في ر‌يب من البعث فإنا خلقناكم من تر‌اب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير‌ مخلقة لنبين لكم ونقر‌ في الأر‌حام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخر‌جكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من ير‌د إلى أر‌ذل العمر‌ لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وتر‌ى الأر‌ض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ور‌بت وأنبتت من كل زوج بهيج ). (الحج 5) إلى قوله تعالى: ( ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ). (الحج 6) فالإنسان لم يكن شيئا مذكورا، فأوجده الله تعالى من تراب، وأخرجه من العدم إلى حيز الوجود، ووهبه النطق والعقل، وجعله في أحسن تقويم، فلا ريب إذن في إمكان بعثه بعد الموت وتفرق الأجزاء، لأنه يماثل خلقه وإيجاده في هذه الدنيا بعد أن كان عدما، ولأن حكم الأمثال واحد، والعقل لا يفرق بين المتساويين، بل يجعل وجود أحدهما دليلا على إمكان وجود المساوي الآخر ، فضلا عن أن النشأة الأولى أعظم وأجل، قال تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والارض). (الروم 27) ويدخل في هذا البرهان جميع الآيات التي تساوي بين المبدأ والمعاد من حيث الحكم ، منها قوله تعالى: (الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون). (الروم11) وقوله تعالى: (فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة). (الإسراء 51) وقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين). ( الأنبياء 104).

 

النمط الثاني من المماثلة :

 

أكد الكتاب الكريم في كثير من آياته على إثبات المعاد عن طريق المماثلة بين إحياء محسوس ومشاهد، وهو إحياء الأرض بعد موتها، بخروج النبات منها وعودة نشاطه الحيوي بعد جفافه أو ركوده وتوقفه عن العمل في الشتاء، وبين إحياء الأموات يوم القيامة، قال تعالى: ( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها إن ذلك لـمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ). (الروم50) وقال تعالى: ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ). (الأعراف 57) هذه الآية الكريمة والتي قبلها في معرض مناشدة العقل السليم الذي يقرر أن حكم الأمثال واحد، فإذا تحقق الإحياء في الأرض بعد موتها، أمكن تحققه في الإنسان بعد موته، وفي غيره من الأحياء. فالمراد بقوله: ( إن ذلك لـمحيي الموتى ). (الروم 50) الدلالة على المماثلة بين إحياء الأرض الميتة وإحياء الموتى، إذ في كل منهما موت، وهو سقوط آثار الحياة من الكائن الحي، وقد تحقق الإحياء في الأرض والنبات، وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلهما، وحكم الأمثال واحد, وقد أشار الكتاب الكريم إلى ما يقرب هذا المعنى، وهو كون خلق الإنسان كالإنبات وكذلك إعادته، قال تعالى: (والله أنبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا). (نوح 17).

 

أيها المؤمنون :

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع