الإثنين، 21 صَفر 1446هـ| 2024/08/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المعلم التاسع عشر: الإيمان باليوم الآخر (ح7)

بسم الله الرحمن الرحيم


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:


جاء في الكتاب الكريم الكثير من الأدلة العقلية والبراهين الوجدانية على حتمية وثبوت اليوم الآخر ووجوبه, للرد على منكري البعث، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين:


أولا: برهان المماثلة.


ثانيا: برهان القدرة.


ثالثا: برهان الحكمة: وقد سبق الحديث عن هذه البراهين الثلاثة في الحلقات الماضية.


رابعا: برهان العدالة: وهذا هو موضوع حلقتنا لهذا اليوم.


1. وجود التكليف يقتضي وجود المعاد: من المعلوم أن الله تعالى جعل الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء للإنسان، ووهبه النوازع الخيرة إلى جنب النوازع الشريرة، لتتم بذلك حقيقة الابتلاء، وأعطاه العقل الذي يميز به بين الخير والشر، وبعث له الأنبياء والرسل ليحددوا له طريق الخير وطريق الشر، ثم كلفه باتباع سبيل الخير والحق، وتجنب سبيل الشر والباطل، وأعطاه الإرادة والاختيار ليستحق الثواب أو العقاب، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا). (الملك 2) وقال سبحانه: (وبلوناهم بالحسنات والسيئات). (الأعراف 168) وقال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون). (الأنبياء 35) وعليه فإن واقع الحياة الدنيا بما يحمل من متناقضات: الراحة والعناء، والصحة والمرض، والغنى والفقر، والإقبال على الأشرار والإدبار عن الأخيار، هو امتحان وابتلاء، وليس فيه ما يصلح للمكافأة والجزاء، وبما أن ضرورة التكليف تقتضي ضرورة المكافأة، لذا يجب المعاد ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وإلا لبطلت فائدة التكليف، ولكان عبثا ولغوا. وفي بيان ذلك يقول بعض العلماء: "لو لم يكن المعاد حقا لقبح التكليف، ذلك أن التكليف مشقة مستلزمة للتعويض عنها، فإن المشقة من غير عوض ظلم، وذلك العوض ليس بحاصل في زمان التكليف، فلا بد حينئذ من دار أخرى يحصل فيها الجزاء على الأعمال، وإلا لكان التكليف ظلما، وهو قبيح، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".


2. العدل الإلهي يستلزم وجود اليوم الآخر:


إن وجوب إيفاء الوعد, وإنفاذ الوعيد, والحكمة في تصريف الأمور, كل ذلك يقتضي وجوب البعث. لقد وعد الله تعالى بالثواب، وتوعد بالعقاب, وهو سبحانه الحكيم, مع مشاهدة الموت للمكلفين، فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده, إذ لا ريب أن الناس لا يصلون إلى الثواب أو العقاب الملائم لأعمالهم في هذا الزمان المحدود؛ فالمحسنون الذين قضوا أعمارهم في العبادة ونشر الفضائل والإصلاح في الأرض، وتحملوا الكوارث والمحن والأرزاء في هذا السبيل، لايمكن لأي سلطة في الأرض أن تعطيهم مرادهم، وتوصلهم إلى ثوابهم، والمجرمون الذين ارتكبوا الجرائم الفظيعة بحق الإنسانية، وتوفروا على النعم والملذات والحياة الرغيدة أكثر من غيرهم، قد لا يقعون في قبضة القانون، وإذا وقعوا فإن عقابهم لا يتناسب مع الجرائم التي ارتكبوها، فقد يقتص منهم مرة واحدة، وتبقى أكثر الجرائم التي ارتكبوها تمر بلا عقاب، وعليه فليس ثمة قوة في هذه النشأة المحدودة تستطيع استرداد جميع الحقوق المهضومة للناس.


وإذا كان الإنسان ينعدم بالموت، ويفد الظالمون والمظلومون والمصلحون والمفسدون إلى مقابر الفناء دون محكمة عادلة تثيب المحسنين وتضع المجرمين في أشد العذاب، فإن ذلك خلاف العهد الإلهي الذي يقتضي التفريق بين الفريقين من حيث المصير والثواب والعقاب، وبما أن ذلك غير متحقق في النشأة الأولى، فيجب أن يكون المعاد لتجسيد العدالة الإلهية تجسيدا عمليا، وتحقيق الوعد الرباني الصادق في الوفاء للأنبياء والأولياء والشهداء والأبرار من عباد الله الصالحين والانتقام من الظالمين والمفسدين. وقد صرحت الآيات الكريمة بهذا الدليل على مستويين:


الأول: التأكيد على الفرق بين العاصي والمطيع في النشأة الأخرى، لتحقيق الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، وذلك مقتضى العدل الإلهي. قال تعالى: (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون). (يونس 4) وقال تعالى: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى). (النازعات 37)


والثاني: التنديد بالتسوية بين الفريقين وإنكارها. قال تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون). (السجدة 18) وقال تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار). (ص 28) وقال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون). (الجاثية 21) وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسلمين كالمـجرمين ما لكم كيف تحكمون).(القلم 34)


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع