أسباب الإساءة لمقام نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم خير من وطئت رجلُه الثرى، وأنار الله به طريق الهدى، وفتح به آذاناً صُمّاً، وأعيناً عُمياً، عليه وعلى آله وصحبه الكرام أفضل الصلاة وأتم التسليم، في هذه الورقة بإذن الله نريد أن نتفحص جسد هذه الأمة لنعرف مكمن الداء الذي يصب عليه الدواء بإذن الله، فما هو في هذه الورقة ليس دعوة للتثبيط والتقليل من أمة عريقة لها تاريخ يعرفه كل العالم، فهي التي قادت العالم طوال ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وهي القائد القادم بقوة بإذن الله، وإن ما سنذكره لا يصح أن يوضع لليأس والإحباط، وإنما نتحرى المرض كما يتحراه الطبيب بكل موضوعية حتى يتضح التشخيص الصحيح فينطبق عليه العلاج، والسؤال هو ما هي أسباب الإساءة لمقام نبينا الكريم صلى الله عليه و سلم :
وسنجملها في الآتي:
1/ خوف الغرب من الإسلام:
حيث يعيش الغرب الرأسمالي الصليبي حالة من الرعب والخوف من الإسلام والمسلمين، وصلت إلى حالة مَرَضيّة، عبروا عنها بمصطلح "إسلاموفوبيا" الذي أخذ في الانتشار في العقود الثلاثة الماضية، والذي عرّفه البريطاني "روني ميد ترست" في تقرير له سنة 1997م بأنه "العداء غير المبرر للإسلام وبالتالي الخوف أو الكراهية تجاه كل أو معظم المسلمين"؛ حيث تعمل مئات الشخصيات وعشرات المنظمات ومليارات الدولارات، وعدد لا حصر له من المؤامرات تجتمع كلها لمحاولة تشويه صورة الإسلام والتخويف من المسلمين. ومن أبرز الشخصيات المعادية للإسلام والمسلمين "ستيفن لينون" و"تومي روبنسون" المؤسس والمشارك لشبكة إسلاموفوبيا، وقائد رابطة "الدفاع عن الإنجليز" وهي الحركة الأكثر عداءً للإسلام والمسلمين في العالم، ومن المنظمات منظمة "جهاد ووتش" ومنظمة "العمل من أجل أمريكا" وجمعية "أمريكيون من أجل الوجود القومي"، وألّفوا كتباً لإذكاء روح العداء، منها "كشف النقاب عن الإسلام 2002م"، وكتاب "الجهاد يهدد أمريكا 2003م"، وكتاب "خرافة التسامح الإسلامي"، وكتاب "الإسلام وأوباما 2010م"، هذا الخوف والعداء تُغذّيه الكنيسة باستمرار خوفاً من تحول أوروبا معقل الصليبية، إلى الإسلام والذي بات قريباً بإذن الله حيث تدل نسب المواليد فقط دون الهجرات والتجنيس وغير الذين يتحولون إلى الإسلام، أي أن الذين يولدون من أبوين مسلمين تقريباً الضعف ونصف، إلى درجة أنه صدر تقرير موجود في الإنترنت يحدد عقوداً قليلة من الزمان، تصير فيها أوروبا بأغلبية مسلمة في البلاد. وقد أكد باتريك بوكنان الذي كان مرشحاً للرئاسة الأمريكية في مقال له تحت عنوان "هل ستندلع حرب الحضارات؟" أن "الإسلام غير قابل للتحطيم، ومصير أي صراع عقائدي سيؤدي إلى انتصار المبدأ الإسلامي... وإذا كان عامل العقيدة حاسماً فإن الإسلام نضالي حركي بينما المسيحية جامدة والإسلام ينمو بينما المسيحية تزال، والمحاربون المسلمون مستعدون لمواجهة الهزيمة والموت، بينما يتحاشى الغرب تكبد الخسائر" وختم مقالته: "لا تستهينوا بالإسلام إنه الديانة الأسرع انتشاراً في أوروبا... ولكي تهزم عقيدة تحتاج إلى عقيدة فما هي عقيدتنا نحن؟ النزعة الفردية؟!".
الخوف من الإسلام الذي رفع العالِمين ببواطن الأمور في الغرب الرأسمالي بإمكانية الإسلام في حل وإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي دفعهم إلى التساؤل "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟" هذا الخوف هو الذي دفعهم إلى تلك الحرب المسعورة ضد الإسلام وأهله، ومحاولة النيل من كل مقدس فيه في محاولة يائسة منهم، لصد شعوبهم عن التحول إلى الإسلام.
2/ ضعف الحكام في بلاد المسلمين وعلماء السلطان، ومواقفهم المخزية تجاه كل قضايا الأمة ومقدساتها، حيث برهن هؤلاء الحكام وما يزالون، برهنوا للغرب أنهم حراسُ مصالِحِه، وأنهم الخط المتقدم بجيوشه في حربه ضد المسلمين، فأثبتوا له ذلك، حين تخاذلوا أمام يهود حتى أقاموا له دولة، وأكدوا له ذلك حين قاموا يحرسونها ويقتلون كل من يقترب من حدودها، بل قاموا بالتآمر مع الغرب وكيان يهود، على حصار أهل فلسطين وسحقهم، كما في غزة وتجفيف مصادر عيشهم وحياتهم في هدم الأنفاق في سيناء حيث تمثل الأنفاق لأهل فلسطين خياشيم الهواء وشرايين الحياة، ونصبت المجازر للمسلمين في زنجبار، وفي تايلاند، والفلبين، وفي بورما والبوسنة والهرسك، وسيربرينيتسا الغربية، وفي الهند وكشمير وفي الصين انطلقت آلة الحرب الغربية المدمرة عبر المياه والأراضي في بلاد المسلمين، وأنشئت القواعد العسكرية الأمريكية في أراضي المسلمين لتغتصب العراق وأفغانستان وباكستان، ونُزع خمار الحياء والعفة من على رؤوس النساء، ولم يتحرك أحد، واغتُصب الرجال والنساء، ولم يتحرك أحد، سُبّت الذات الإلهية وشتم رسول الله، ودُنّست المصاحف وأحرقت، وهُدّمت المآذن والمساجد ولم يتحرك أحد منهم، فرّقوا أرضهم وبلادهم بأيديهم خدمة لمصالح الغرب عدو المسلمين ولم يتحرك أحد، وأما علماء السلطان فيا للخزي والعار، فقد أضلهم الله على علم؛ أفتوا بجواز الصلح مع كيان يهود، وأجازوا إقامة القواعد العسكرية في بلاد المسلمين بل وأجازوا التعاون مع الكفار على غزو العراق، بل وفي آخر سقطاتهم أفتوا بقمع واعتقال المتظاهرين نصرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم أمام السفارة الأمريكية!
3/ اتساع الهوة بين الحكومات والشعوب:
نتيجة لكل ما سبق فقد اتسعت الهوة بين الحكومات وبين الشعوب الإسلامية، كل مرة ومع كل جريمة ترتكب تضجّ الأمة وتثور الشعوب، فتجد الصد والممانعة، بل والتخاذل الواضح من الحكومات كلما تتنزل في الأمة نازلة لا تجد لهم أثراً ولا حياة، تئن الشعوب وتصرخ الثكالى واليتامى ولا حياة لمن تنادي، فقدوا كل احترام وتقدير، بل أصبحوا في نقمة من شعوبهم فكانوا شرار الأئمة الذين تبغضهم شعوبهم ويبغضونها وتلعنهم ويلعنونها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهاكم النتيجة:
(1) عدد القتلى على أيدي الحكام، عشرات الآلاف قتلوا فقط في الربيع العربي، ناهيك عمن قتلوا بطرق أخرى.
(2) عدد السجناء عشرات الآلاف، بل أكثر من مئة ألف في سوريا وحدها.
(3) عدد الفقراء، 100 مليون من الفقراء فقط في البلاد العربية، تمثل نسبة 33% من السكان، ووزير المالية في السودان يقول عدد الفقراء في السودان 45% من عدد السكان في السودان.
(4) المهاجرون، تستقبل أوروبا وحدها 1600,000 في العام الواحد معظمهم من البلاد العربية والإسلامية، حيث ذكر مجلس الجالية المغربية، أن فرنسا وحدها استقبلت 55,000 مهاجر عام 2011م.
وأخيراً مأساة سوريا الأبية التي رغم تآمر وإجرام الحكام فإنهم لم يكسروا عزيمة أهلها، حتى 17/9/2012م بلغ عدد القتلى 31,860 قتيلاً واستغل الغرب الحاقد ذلك الوضع فانفرد بالحكام فأذلهم، واستفرد بالشعوب فأذلها حتى أدماها.
4/ عدم بروز هوية الأمة الإسلامية، ما أغرى هؤلاء الكفار وأطمعهم فينا، وهو الفصل الذي تعيشه الأمة الإسلامية بين عقيدتها وبين حياتها، حيث تعتقد العقيدة الإسلامية، ولكنها تعيش حياتها على عقيدة الغرب الكافر، في الحكم وفي الاقتصاد، حتى الاجتماع، أصبحت تسير فيه على عقيدة فصل الدين عن الحياة، فأصبح هنالك تشوّهٌ فكري ومشاعري في فكر الأمة يظهر جلياً وواضحاً في الآتي:
(1) في الحكم؛ أصبح الناس في كثير من الأحيان لا يرون الحكم الرشيد إلا في الديمقراطية، والدولة المدنية ودولة المؤسسات.
(2) في الاقتصاد، أبيح الربا وشركات المساهمة حيث انتشرت سوق الأوراق المالية ونشط الاقتصاد الوهمي، وتراجع النشاط الحقيقي، وأصبح كثير من الناس لا يرى الاقتصاد إلا في البنوك والمؤسسات الربوية.
(3) في علاقات المجتمع، تفشّت حالات الطلاق بسبب الغياب وعدم النفقة، وكثر الاختلاط وفساد الأخلاق وارتفعت نسبة العنوسة لعزوف الشباب عن الزواج.
ولكن ورغم هذه الحالة السيئة التي وصلت إليها الأمة حتى ظنوا أنها أصبحت مواتاً، ها هي الأمة تصحو من جديد بل تزمجر وتثور، فكان الربيع العربي ثورةً ضد الظلم والطغيان، وكانت ثورة سوريا مثالاً للثورة العقائدية للمطالبة بحكم الشرع والدين تحت شعار "على الجنة رايحين شهداء بالملايين" ثم الغضبة العارمة لنصرة الني صلى الله عليه و سلم في كل أرجاء المعمورة.
5/ صراع المصالح والمنافسة اللا أخلاقية في الحضارة الرأسمالية، حيث الغاية تبرر الواسطة أو الوسيلة، فعلى المستوى العقائدي بل الخوض في جدل حقيقي حول الإسلام ومدى صحته من خطئه عادوه وشنعوه حتى يصدوا الناس عنه في إفلاس فكري واضح وانهزام حضاري فاضح، ولقذارة العمل السياسي تحت عقيدة فصل الدين عن الحياة قاموا بقتل شعبهم في أحداث 11 سبتمبر 2001م، واختلقوا امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، من أجل إيجاد مبررات لاحتلاله لتشغيل مصانع السلاح عندهم، وتسويقه لدول العالم الخائف من الحرب، ثم وفي آخر شكل من أشكال السقوط اللا أخلاقي في هذه الحضارة الرأسمالية، جاءت الإساءة لمقدسات المسلمين حتى يستغلوا ردة فعلهم تجاه تلك الإساءات، في إدارة معاركهم الانتخابية، للإطاحة بحكم الديمقراطيين الذين نهجوا مبدأ المداهنة والمُلاينة مع المسلمين بدل منهج الحرب والعداء الذي اتخذه الجمهوريون، فكان العبث بمقدسات المسلمين، وإذكاء روح العداء تجاه المسلمين وتصعيب الحملات ضدهم في أوروبا وأمريكا، لعبةً لصالح حرب كراسي السلطة.
ناصر رضا - رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان.