الثلاثاء، 22 صَفر 1446هـ| 2024/08/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح5 إباحة الأكل من طيبات ما رزق الله

بسم الله الرحمن الرحيم


إباحة الأكل من طيبات ما رزق الله، والأمر بشكره على آلائه ونعمه الكثيرة

 

(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما ر‌زقناكم واشكر‌وا لله إن كنتم إياه تعبدون) (البقرة172).


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثالث نتناول فيه الآية الكريمة الثانية والسبعين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما ر‌زقناكم واشكر‌وا لله إن كنتم إياه تعبدون). نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام. ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيبا من الطيبات، وأنه إذا حرم عليهم شيئا فلأنه غير طيب، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم، وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء، ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك. فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد .. كل أولئك في آية واحدة قليلة الكلمات: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)". انتهى الاقتباس.


أيها المؤمنون:


لنا مع هذه الآية الكريمة وقفة عند الطيبات من الرزق التي أحلها الله تعالى لعباده، والخبائث التي حرمها عليهم. يقول الله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ). (المائدة 4) ويقول تعالى: ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ). (المائدة 5) ويقول تعالى: (الذين يتبعون الر‌سول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التور‌اة والإنجيل يأمر‌هم بالمعر‌وف وينهاهم عن المنكر‌ ويحل لهم الطيبات ويحر‌م عليهم الخبائث). (الأعراف 157) ويقول تعالى: (قل من حر‌م زينة الله التي أخر‌ج لعباده والطيبات من الر‌زق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون). (الأعراف32)


نفهم من الآيات الكريمة أن الله تعالى أباح لعباده الطيبات من الرزق، وحرم عليهم الخبائث، "فكل مباح طيب، وكل محرم خبيث"، وهذه قاعدة شرعية مستنبطة من مجموع الآيات. فالطيب هو ما ثبتت إباحته، والخبيث هو ما ثبتت حرمته. ولكي نفهم هذه القاعدة فهما صحيحا ينبغي أن نسأل أنفسنا أولا: هل هذا الشيء أو هذه المادة مباحة أو محرمة؟ فما ثبتت إباحته بناء على الدليل فهو طيب، وما ثبتت حرمته بناء على الدليل فهو خبيث.


أيها المؤمنون:


نريد أن نلفت النظر إلى أمر في غاية الأهمية وفي غاية الخطورة معا، وهو أن بعض علماء المسلمين - هداهم الله- يفهمون هذه القاعدة ويستخدمونها بطريقة معكوسة. فيتساءل أحدهم: هل هذا الشيء أو هذه المادة طيبة أم خبيثة؟ فيقرر أولا أنها طيبة أو خبيثة ثم يستنتج أنها مباحة أو محرمة. وبهذا صار الحكم الشرعي تبعا لمن يقرر الطيبة أو الخباثة وهو الإنسان، أي أن الإنسان هو الذي يشرع لنفسه، أي هو الذي يحلل أو يحرم وليس الله تعالى، وهذا في الشرع لا يجوز؛ لأن الله سبحانه يقول: (إن الحكم إلا لله أمر‌ ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر‌ الناس لا يعلمون). (يوسف40) فالذي يقرر الطيبة أو الخباثة هو الشرع وليس الإنسان. فالطيب ما طيبه الشرع والخبيث ما خبثه الشرع. وقد حذر الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر، وهو أن يشرع الإنسان لنفسه، فيحلل أو يحرم كما يشاء. قال تعالى: (قل أر‌أيتم ما أنزل الله لكم من ر‌زق فجعلتم منه حر‌اما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفتر‌ون وما ظن الذين يفتر‌ون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر‌هم لا يشكر‌ون). (يونس60) وقال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ). (النحل116)


أيها المؤمنون:


وثمة قاعدة شرعية أخرى تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم". هذه قاعدة تستخدم عند إرادة معرفة أو استنباط حكم الله تعالى في المطعومات والمشروبات والملبوسات. فالتفاح مثلا مباح؛ لأنه لم يرد نص في تحريمه، والخمر محرم؛ لأنه ورد النص بتحريمه، فتنطبق عليهما قاعدة: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم". لذا يمكننا القول: إن التفاح طيب لأنه مباح، وإن الخمر خبيث لأنه محرم بناء على القاعدة الأولى التي تقول: "كل مباح طيب، وكل محرم خبيث"، ولا يمكننا القول: إن التفاح مباح لأنه طيب، وإن الخمر محرم لأنه خبيث، بل الصواب أن يقال: إن التفاح مباح وهو طيب؛ لأن الله أباحه، وإن الخمر محرم وهو خبيث؛ لأن الله حرمه. وحتى لا نكون مجرد منظرين نضرب لذلك مثالا من واقع الحياة، فقد أصدر علماء السعودية فتوى بتحريم التدخين، وقاموا بطبع ونشر كتيبات ومطويات تبين حرمة التدخين، وسلكوا في تحريمه الطريقة المعكوسة التي أشرنا إليها وحذرنا منها، فتساءلوا قائلين: هل الدخان طيب أم خبيث؟ فقرروا أنه خبيث وبناء على ذلك حرموه، ولم يقولوا ما كان ينبغي أن يقال وهو: إن التدخين محرم بناء على الدليل الشرعي، فيذكروا الدليل ثم يقولوا عنه إنه خبيث! فالمسألة في غاية الدقة وفي غاية الخطورة فانتبهوا يرحمكم الله.


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع