الثلاثاء، 22 صَفر 1446هـ| 2024/08/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح7 فرض الصيام على أمة الإسلام ج1

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة 183).


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الخامس نتناول فيه الآية الكريمة الثالثة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). نقول وبالله التوفيق:


خاطب الله المؤمنين بالنداء المحبب إلى نفوسهم فقال: (يا أيها الذين آمنوا) ما أروعه من نداء!! إنه يذكر المؤمنين بإيمانهم بربهم تذكيرا يدفعهم إلى طاعة الله وامتثال أمره!! ثم قال: (كتب عليكم الصيام). وذلك بصيغة الفعل الذي لم يسم فاعله حيث استخدم الفعل "كتب" ولم يستخدم الفعل "كتب" المبني للمعلوم، الذي يذكر فاعله معه، فلم يقل سبحانه وتعالى: "كتب الله عليكم الصيام" بل قال: (كتب عليكم الصيام). وذلك تنزيها لله سبحانه وتعالى؛ لأن الصيام فيه جهد، ومشقة وتعب، لا يليق أن يقرن باسم الله جل في علاه، كما يرشدنا ويوجهنا الأدب العالي المستنبط من القرآن الكريم.


ثم قال: (كما كتب على الذين من قبلكم) وفي هذا دلالة على أن الأمة الإسلامية، ليست بدعا من الأمم، وتكليفها بالصيام، ليس لها وحدها، إنما كان مفروضا على الأمم السابقة فصاموا، فلا تكونوا أقل منهم حظا، وأنتم خير الأمم، ونبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جميعا. وأخيرا قال: (لعلكم تتقون). وفي هذا بيان للحكمة من الصيام، والأثر الذي ينبغي أن يحدثه الصيام في نفوس المؤمنين. إن التقوى هي ثمرة من ثمار الصوم، كما نطقت بذلك الآية الكريمة، ولكن إخوة الإسلام يبرز هنا سؤالان هما: ما معنى التقوى؟ وما الثمار المرجوة منها؟


أيها المؤمنون:


للإجابة عن هذين السؤالين نقول: إن التقوى هي طاعة الله بتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه في كل لحظة من لحظات حياتنا، فتقوى العبد لربه تعني أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه، من غضب أو سخط أو عقاب، وقاية تقيه من ذلك، وهذه الوقاية والحماية تكون كما أسلفنا في امتثال طاعته واجتناب نواهيه ومعاصيه.


لقد عرف أحد العلماء التقوى فقال: "التقوى هي أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك" بمعنى أن الله أمرك بالصلاة، فينبغي أن يجدك مع المصلين...أمرك بالجهاد وحمل الدعوة، فينبغي أن يجدك مع المجاهدين وحملة الدعوة... ونهاك عن الربا، فينبغي أن لا تكون مع المرابين... ونهاك عن التجسس، فينبغي أن لا تكون مع المتجسسين. وعرفها ثان فقال: "التقوى هي الرضا بالقليل، والعمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

 

وعرفها ثالث فقال: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".


أيها المؤمنون:


هذه هي التقوى، فما الثمار المرجوة منها؟ هذا ما سنجيب عنه إن شاء الله تعالى: إن أعظم ثمرة للتقوى هي نيل رضوان الله تبارك وتعالى، وهو الغاية التي يطمح إليها كل مؤمن، بل هو غاية الغايات جميعا، فإذا كسب المؤمن رضا الله كسب كل شيء، وإذا خسر رضا الله - لا سمح الله - خسر كل شيء، لذا كانت التقوى خير زاد كما وصفها الله تبارك وتعالى، وكان أهل التقوى هم أولوا الألباب، أي هم أصحاب العقول المستنيرة، قال تعالى:(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).


وثمرة أخرى للتقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى: (اتقوا الله ويعلمكم الله). إنما العلم بالتعلم هذا قول صحيح، ولكن تقوى الله سبحانه وتعالى تساعد المرء في اكتساب العلم. ذكر في الأثر أن الإمام الشافعي، وقعت منه معصية من اللمم، أي من صغائر الذنوب، وحاول بعدها أن يحفظ بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستطع، فشكا ذلك إلى أستاذه، فأرشده الأستاذ إلى ترك المعاصي، أي أرشده إلى تقوى الله، فأنشد يقول:


شكوت إلى وكيع سوء حفظي      فأرشدني إلى ترك المعاصي


وأرشدني إلى أن علم الله نور           ونور الله لا يهدى لعاصي


أيها المؤمنون:


ثمرة ثالثة للتقوى يذكرها لنا الله في كتابه، قال تعالى:(ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). إن تقوى الله تنجي المؤمن وتخرجه من المحنة التي هو فيها، وتجلب له الرزق ها هو سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يلتقمه الحوت ويبتلعه حتى يصبح في بطنه، فما الذي أخرجه من هذه المحنة؟ إنها تقوى الله سبحانه، إنه التسبيح، لم يغفل عن ذكر الله عز وجل حتى وهو في بطن الحوت، وقد قال الله تعالى في شأنه: (فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


محمد أحمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع