الإثنين، 21 صَفر 1446هـ| 2024/08/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح13 النهي عن إبطال الصدقات بالمن والأذى ج2

بسم الله الرحمن الرحيم


(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين) (البقرة 264).


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء الثامن نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والستين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله ر‌ئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر‌ فمثله كمثل صفوان عليه تر‌اب فأصابه وابل فتر‌كه صلدا لا يقدر‌ون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافر‌ين).


نقول وبالله التوفيق:

 

يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "والقرآن ينشىء هذا كله. ولكن المطلوب - إلى جانب هذا كله - أن ينشىء في المسلم وعيا وحياة. نعم المطلوب أن ينشىء حالة وعي يتحرك معها القرآن حركة الحياة التي جاء لينشئها. المطلوب أن يراه المسلم في ميدان المعركة التي خاضها، والتي لا يزال مستعدا لأن يخوضها في حياة الأمة المسلمة. المطلوب أن يتوجه إليه المسلم ليسمع منه ماذا ينبغي أن يعمل - كما كان المسلم الأول يفعل- وليدرك حقيقة التوجيهات القرآنية فيما يحيط به اليوم من أحداث ومشكلات وملابسات شتى في الحياة، وليرى تاريخ الجماعة المسلمة ممثلا في هذا القرآن، متحركا في كلماته وتوجيهاته فيحس حينئذ أن هذا التاريخ ليس غريبا عنه. فهو تاريخه. وواقعه اليوم هو امتداد لهذا التاريخ. وما يصادفه اليوم من أحداث هو ثمرة لما صادف أسلافه، مما كان القرآن يوجههم إلى التصرف فيه تصرفا معينا. ومن ثم يحس أن هذا القرآن قرآنه هو كذلك. قرآنه الذي يستشيره فيما يعرض له من أحداث وملابسات، وأنه هو دستور تصوره وتفكيره وحياته وتحركاته الآن وبعد الآن بلا انقطاع.


ويفيدنا ثانيا في رؤية حقيقة الطبيعة البشرية الثابتة المطردة تجاه دعوة الإيمان وتكاليفها. رؤيتها رؤية واقعية من خلال الواقع الذي تشير إليه الآيات القرآنية في حياة الجماعة المسلمة الأولى .. فهذه الجماعة التي كان يتنزل عليها القرآن، ويتعهدها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان فيها بعض مواضع الضعف والنقص التي تقتضي الرعاية والتوجيه والإيحاء المستمر، ولم يمنعها هذا أن تكون خير الأجيال جميعا .. وإدراك هذه الحقيقة ينفعنا. ينفعنا لأنه يرينا حقيقة الجماعات البشرية بلا غلو ولا مبالغة ولا هالات ولا تصورات مجنحة! وينفعنا لأنه يدفع عن نفوسنا اليأس من أنفسنا حين نرى أننا لم نبلغ تلك الآفاق التي يرسمها الإسلام ويدعو الناس إلى بلوغها. فيكفي أن نكون في الطريق، وأن تكون محاولتنا مستمرة ومخلصة للوصول .. وينفعنا في إدراك حقيقة أخرى: وهي أن الدعوة إلى الكمال يجب أن تلاحق الناس، ولا تفتر ولا تني ولا تيئس إذا ظهرت بعض النقائص والعيوب. فالنفوس هكذا. وهي ترتفع رويدا رويدا بمتابعة الهتاف لها بالواجب، ودعوتها إلى الكمال المنشود، وتذكيرها الدائم بالخير، وتجميل الخير لها وتقبيح الشر، وتنفيرها من النقص والضعف، والأخذ بيدها كلما كبت في الطريق، وكلما طال بها الطريق!


ويفيدنا ثالثا في الاستقرار إلى هذه الحقيقة البسيطة التي كثيرا ما نغفل عنها وننساها: وهي أن الناس هم الناس، والدعوة هي الدعوة، والمعركة هي المعركة .. إنها أولا وقبل كل شيء معركة مع الضعف والنقص والشح والحرص في داخل النفس. ثم هي معركة مع الشر والباطل والضلال والطغيان في واقع الحياة. والمعركة بطرفيها لا بد من خوضها. ولا بد للقائمين على الجماعة المسلمة في الأرض من مواجهتها بطرفيها كما واجهها القرآن أول مرة وواجهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بد من الأخطاء والعثرات. ولا بد من ظهور الضعف والنقص في مراحل الطريق، ولا بد من المضي أيضا في علاج الضعف والنقص كلما أظهرتهما الأحداث والتجارب. ولا بد من توجيه القلوب إلى الله بالأساليب التي اتبعها القرآن في التوجيه .. وهنا نرجع إلى أول الحديث. نرجع إلى استشارة القرآن في حركات حياتنا وملابساتها. وإلى رؤيته يعمل ويتحرك في مشاعرنا وفي حياتنا كما كان يعمل ويتحرك في حياة الجماعة الأولى" .. (انتهى الاقتباس).


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع