نداءات القرآن الكريم ح15 تحريم أكل مال الربا تحريماً جازماً وقاطعاً ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 278) .
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا، ومع النداء العاشر نتناول فيه الآية الكريمة الثامنة والسبعين بعد المائتين من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ،،،،، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). نقول وبالله التوفيق:
قال تعالى: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون). (الروم 39) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ، واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 130) وقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين), (البقرة ،،،) وقال: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما). (النساء 161) وقال: (وأحل الله البيع وحرم الربا ،). (البقرة 275)
أيها المؤمنون:
من مجمل هذه الآيات فهم القائلون بالتدرج أن الربا كان مباحا بدليل الآية الأولى. ومن ثم نزل تحريم أكل الربا المضاعف دون القليل في الآية الثانية. ثم نهي في الآية الثالثة عن القليل من الربا بدليل قوله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين). ومن ثم قالوا: إن تحريم الربا بدأ بالتلميح لا بالتصريح بدليل الآية الرابعة حكاية عن اليهود. وأخيرا حرم الله الربا بعد هذا التسلسل، وبعد هذه المراحل التي مر بها بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا). إن الناظر في فقه هذه الآيات نظرا تشريعيا صحيحا يجد أن القول بالتدرج هو أبعد ما يكون عن الصواب.
فالآية الأولى: لا علاقة لها بالربا المحرم لا من قريب ولا من بعيد. وموضوعها هو الهبة والهدية. ومعناها أن من أعطى هبة أو هدية يريد ضعفها أو استردادها من الناس، فلا يربو عند الله، أي لا ثواب عليها عند الله، أما الصدقة فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".
وكذلك قال ابن عباس: (وما آتيتم من ربا). يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر صاحبه. ولكن لا إثم عليه. وفي هذا المعنى نزلت الآية (نقله القرطبي) وقال ابن كثير - رحمه الله - في هذه الآية: إن من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم فهذا لا ثواب له عند الله. بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب، والشعبي. وهذا الصنيع مباح، وإن كان لا ثواب فيه. إلا أنه قد نهي عنه رسول الله خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر). أي لا تعط العطاء تريد أكثر منه. وقال ابن عباس: الربا رباءان (أي ربوان) فربا لا يصح يعني البيع. وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها وأضعافها. ثم تلا هذه الآية: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله). وإنما الثواب عند الله في الزكاة؛ ولهذا قال: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون). أي الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري.
أما الآية الثانية: (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة). فقد نزلت تنهى عن أكل الربا المضاعف وهو ما كانوا عليه في الجاهلية. ولا يوجد فيها ما يدل على تقييد تحريم الربا. ولقد قال المفسرون: إن سورة البقرة وهي السورة التي نزل فيها تحريم الربا، هي أول سورة نزلت في المدينة. وسورة آل عمران، التي نزل فيها النهي عن الربا المضاعف، نزلت بعدها، وعليه ينتفي أن الله سبحانه قد أباح أكل الربا القليل. وعليه يكون ما ذكر في آية آل عمران ليس من قبيل التدرج بل جيء بها باعتبار ما كانوا عليه في العادة التي يعتاد عليها الكفار في الربا. وعليه فإن حكم الربا تحريمه في باديء الأمر.
أما الآية الثالثة: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا). فلا تعني أنه قد سمح للمسلمين شيء قليل من الربا ثم نهوا عنه. بل إن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم. فكانوا قد قبضوا بعضه وبقي بعض. فعفا الله عز وجل عما كانوا قبضوه وحرم عليهم ما بقي منه. ويعضد ذلك قول الله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله. وأول ربا أبتدىء به ربا العباس بن عبد المطلب". كما ورد في سيرة ابن هشام.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي