نداءات القرآن الكريم ح26 النهي عن طاعة الذين كفروا من الذين أوتوا الكتاب ج2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين). (آل عمران 100).
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة والتي تليها نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثاني عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين).
نقول وبالله التوفيق: يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "وهذا شأن المسلم الحق في كل زمان, ومن ثم يكون هذا التحذير بهذه الصورة سوطا يلهب الضمير، ويوقظه بشدة لصوت النذير .. ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكير .. فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد إيمانهم، وآيات الله تتلى عليهم، ورسوله فيهم. ودواعي الإيمان حاضرة، والدعوة إلى الإيمان قائمة، ومفرق الطريق بين الكفر والإيمان مسلط عليه هذا النور: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟) أجل. إنها لكبيرة أن يكفر المؤمن في ظل هذه الظروف المعينة على الإيمان .. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استوفى أجله، واختار الرفيق الأعلى، فإن آيات الله باقية، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم باق .. ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خوطب به الأولون، وطريق العصمة بين، ولواء العصمة مرفوع: "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" .. أجل. إنه الاعتصام بالله. والله سبحانه باق. وهو - سبحانه - الحي القيوم.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشدد مع أصحابه رضوان الله عليهم في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج، بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة، كشؤون الزرع، وخطط القتال، وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي، ولا بالنظام الاجتماعي، ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان .. وفرق بين هذا وذلك بين. فمنهج الحياة شيء، والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر.
أيها المؤمنون:
والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج الله، هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة .. قال الإمام أحمد: "حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت. قال: جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن ثابت: قلت له: ألا ترى ما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين". وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق. وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" .. وفي بعض الأحاديث: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي.
هؤلاء هم أهل الكتاب. وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور، أو بالشريعة والمنهج .. ولا ضير وفق روح الإسلام وتوجيهه من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة، علما وتطبيقا .. مع ربطها بالمنهج الإيماني: من ناحية الشعور بها، وكونها من تسخير الله للإنسان. ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية، وتوفير الأمن لها والرخاء" .. (لم ينته الاقتباس).
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي