الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا ح28 النداء الثالث عشر الأمر بتقوى الله تعالى, والاعتصام بحبله المتين (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفر‌قوا واذكر‌وا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفر‌ة من النار‌ فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون). (آل عمران 102)


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثالث عشر نتناول فيه الآية الكريمة الثانية بعد المائة من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "وبعد التحذير من التلقي عن أهل الكتاب وطاعتهم واتباعهم ينادي الله الجماعة المسلمة ويوجهها إلى القاعدتين الأساسيتين اللتين تقوم عليهما حياتها ومنهجها. واللتين لا بد منهما لكي تستطيع أن تضطلع بالأمانة الضخمة التي ناطها الله بها، وأخرجها للوجود من أجلها .. هاتان القاعدتان المتلازمتان هما: الإيمان والأخوة .. الإيمان بالله وتقواه ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة. والأخوة في الله، تلك التي تجعل من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة، قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية، وفي التاريخ الإنساني: دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



وإقامة الحياة على أساس المعروف وتطهيرها من لوثة المنكر: إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم. فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه: ركيزة الإيمان والتقوى أولا .. التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل .. التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته).. اتقوا الله - كما يحق له أن يتقى - وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها. وكلما أو غل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق، وجدت له أشواق. وكلما اقترب بتقواه من الله، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى. وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام! (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).


أيها المؤمنون:


والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه. فمن أراد ألا يموت إلا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما، وأن يكون في كل لحظة مسلما. وذكر الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع وهو الاستسلام الكامل. الاستسلام لله، طاعة له، واتباعا لمنهجه، واحتكاما إلى كتابه. وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها، على نحو ما أسلفنا. هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها. إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعا جاهليا. ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة، إنما تكون هناك مناهج جاهلية. ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية، إنما تكون القيادة للجاهلية.


فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة .. الأخوة في الله، على منهج الله، لتحقيق منهج الله .. فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام .. من الركيزة الأولى .. أساسها الاعتصام بحبل الله - أي عهده ونهجه ودينه - وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر، ولا على أي هدف آخر، ولا بوساطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة!..

 

أيها المؤمنون:


هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى. وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائما. وهو هنا يذكرهم هذه النعمة. يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية "أعداء" .. وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد. وهما الحيان العربيان في يثرب. يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا. ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه، ولا تعيش إلا معه. فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام .. وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة. وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخوانا. وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال .. (واذكروا نعمت الله عليكم، إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا) .. ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها، إنقاذهم من النار بهدايتهم إلى الاعتصام بحبل الله وبالتأليف بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا.


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع