الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نفائس الثمرات صفة الإمام العادل

بسم الله الرحمن الرحيم


كتب عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة إلى الحسن ابن أبي الحسن البصري أن يكتب له صفة الإمام العادل؛ فكتب إليه الحسن: اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله والحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد وفاته.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر لسهره وتسكن لسكونه، وترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين، يربي صغيرهم ويمون كبيرهم.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده.


والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وعباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم.


فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، فبددّ المال وشرّد العيال فأفقر أهله وأهلك ماله.


واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلّة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له وما بعده من الفزع الأكبر.


واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت به، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويسلمونك في قعره فريداً وحيداً؛ فتزود له ما يصحبك يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.


واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور، وحصّل ما في الصدور؛ فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها؛ فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل؛ لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمةً، فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك .


ولا يغرنّك الذين ينعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات من دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.


ولا تنظرنّ إلى قدرك اليوم، ولكن انظر إلى قدرك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع الملائكة والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحيّ القيوم .


إني يا أمير المؤمنين إن لم أبلغ في عظتي ما بلغه أولو النهى قبلي، فلم آلك شفقةً ونصحا؛ فأنزل كتابي هذا إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له بذلك من العافية والصحة.


والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع