الخوف وعلاج الإسلام له أستاذ ابو أنس
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخوف هو مظهر من مظاهر غريزة البقاء، وهو حالة طبيعية تحصُل للإنسان في ظرف ما. وهو ليس عيباً بحد ذاته، ولو كان الخوف عيبا ونقيصة لما جاز أن يحصل للأنبياء والرسل. قال تعالى في شأن موسى عليه السلام: {لَمّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}، وقال: { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى. قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى}. وقال تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}. وقال تعالى في شأن لوط عليه السلام: {وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}.
ولكن الخوف الذي نحن بصدد بحثه هو الخوف الذي يحولُ دون الإلتزام بأحكام الإسلام حق الإلتزام، وبالتحديد دون الإلتزام بفرض العمل لإقامة الخلافة الإسلامية. ويندرج تحت هذا النوع من الخوف أصناف عدة منها الخوف من السجن والتعذيب وملاحقة الحكام الظلمة، والخوف على الأولاد والزوجات، والخوف من الموت، والخوف على الأرزاق.
ويعيب القران الكريم هذا الخوف الذي نحن بصدده في قوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني. ألا في الفتنة سقطوا)، وقال: (ومن الناس من يقول امنا بالله، فاذا اوذي في الله جعل فتنه الناس كعذاب الله، ولئن جاء نصر من ربك ليقولن انا كنا معكم، اوليس الله باعلم بما في صدور العالمين)، وقال : ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
لقد عالج الإسلام الخوف من السجن والتعذيب وملاحقة الحكام الظلمة بأن بين:
أولا: أن السجن ليس عيبا، فقد سُجن يوسف عليه السلام وهو نبي من الأنيباء، قال تعالى: (فلبث في السجن بضع سنين).
ثانيا: أن المؤمن مبتلى، وأن الإبتلاء سنة من سنن الله، وأننا لن ننال الراحة بالراحة، قال تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنه ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا)، وقال (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون).
ثالثا: أن المؤمن يؤجر على ما يتعرض إليه من سجن وتعذيب، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أن مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا).
رابعا: أن على المؤمن أن يرضى بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما، قال تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، وقال صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.
خامسا: أن الله تعالى مع عبادة حملة الدعوة، يثبتهم، وينزل عليهم السكينة، ويكتب لهم النصر والغلبة ولو بعد حين، قال تعالى على لسان هارون وموسى (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى)، فأجابهم الله عز وجل (قال لا تخافا، إنني معكما أسمع وأرى).
سادسا: أن الله سبحانه هو الأحق بأن نخشاه، قال تعالى (اتخشونهم فالله احق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين). فعذاب الله أشدُ من عذاب الحكام الظلمة، وما البراكين التي تصهر كل ما يقف أمامها، وما النيران المشتعله في أستراليا مثلا والتي يذهب ضحيتها مئات الأرواح سنويا، إلا أمثلة حية على قدرة الله وشدة عذابه في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر، حيث قال الله تعالى (قل نار جهنم أشد حرا)، وقال (فانذرتكم نارا تلظى)، وقال (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا اطعنا الله واطعنا الرسولا) ، وقال (إن بطش ربك لشديد)، وقال ((يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد)، فالنار التي سعرت 100 عام حتى إسودت، والتي قعرها 70 عاما، فيها مقامع من حديد، وطعامها الزقوم، وشرابها ماء يغلي يقطع الامعاء، وعذابها لا ينتهي، قال تعالى (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب)، فاذا كان هذا الوصف لجهنم هو للذوق، فما هي طبيعة العذاب اذا؟ ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: (إن أهون أهلْ النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه).
أما الخوف على الأولاد والزوجات، فقد عالجه الإسلام:
أولا: بأن عابه لقوله تعالى: (قل إن كان اباؤكم و أبنأكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب من إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره).
ثانيا: بأن بين أن يوم القيامة لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فالأولاد والزوجات لن يغنوا عن امرء من الله شيئا إذا ما قصر المرء في فرض كفرض العمل لإقامة الخلافة الإسلامية. بل سيكون منهم الفرار قائلين: نفسي نفسي، قال تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل مرئ منهم يومئذ شأن يغنيه).
ثالثا: بأن بين أن الله يحفظ الذرية لصلاح الأب ولالتزامه بما يرضي الله، قال تعالى: (وكان أبوهما صالحا)، وقال: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريه ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا).
أما الخوف من الموت، فقد عالجه الإسلام:
أولا: بأن بين أن الموت حق ولا بد منه لكل إنسان ، قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت). فمن لم يمت بالسيف مات بغيره.
ثانيا: بأن بين أن الموت سببه الوحيد هو انتهاء الأجل، قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وقال صلى الله عليه وسلم (ألا لا يمنعنّ أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجلٍ ويباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم). فالذهاب إلى أرض المعركة لا يقرب الأجل، والبقاء بين الأهل لا يطيل الأجل. فخالد بن الوليد رضي الله عنه شارك في معارك عدة، ولكنه مات كما تموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. فأيضا العمل لإقامة الخلافة لا يقصر الأجل، والقعود عنه لا يزيد الأجل.
ثالثا: بأن حث على الموت في أمر عظيم، وجعل لذلك منزلة لا يدانيها منزلة، قال صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله)، وقال (لميته في طاعة الله خير من حياة في معصيته).
أما الخوف على الرزق، فقد عالجه الإسلام بأن بين:
أولا: أن الله تعالى هو وحده الرزاق، وأنه هو الذي يوزع الأرزاق كيف ما يشاء، قال تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)، وقال (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر)، وقال (نحن نرزقكم وإياهم)، وقال (نحن نرزههم وإياكم)، وقال (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ). وها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضرب أروع وأسمى وأعظم الأمثال حين قدم ماله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا أبقيت لأهلك؟ قال: اللهَ ورسولُه.
ثانيا: أن تقوى الله هو سبيل لتيسير الرزق، قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
ختاما، نقول بأن الإسلام بمفاهيمه قد عالج هذه الأصناف من الخوف، فلنقدم ولنلبي نداء الله تعالى حيث يقول (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)، ولنلتحق بالعاملين لإقامة الخلافة الإسلامية، ولنكن من من قال الله تعالى فيهم (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون (.