الطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية - بقلم الأستاذ محمد عبد الله - ح1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل معرفة الأحكام الشرعية لحمل الدعوة من أجل استئناف الحياة الإسلامية لابد من معرفة أمرين اثنين معرفة دقيقة، وهما مناط الحكم، وهو الواقع الذي نريد أن نعرف حكم الشرع فيه، ثم النصوص الشرعية المتعلقة بهذا الواقع.
الأمر الأول: مناط الحكم، وهو الحياة التي نعيشها اليوم .
لقد أطلق الفقهاء على الدار التي يعيش أهلها الحياة الإسلامية، دار الإسلام، وعلى الدار التي لا يعيش أهلها الحياة الإسلامية، دار كفر أو دار حرب، وبينوا أن دار الإسلام، هي الدار التي يوجد فيها الإسلام وجوداً فعلياً، سواء أكانت هذه الدار صغيرة كالمدينة المنورة، أو مترامية الأطراف كالدولة الإسلامية زمن العباسيين أو العثمانيين، ولا يكون للإسلام وجود فعلي إلا إذا كانت أحكامه مطبقة على الرعية في جميع شؤون الحياة، من معاملات وعقوبات وسياسة خارجية وغيرها. ولا يتحقق هذا الأمر، وهو تطبيق الإسلام تطبيقاً شاملاً وكاملاً في الداخل والخارج إلا إذا كان أمان هذه الدار التي يطبق فيها الإسلام بأمان المسلمين، وإلا كيف يتصور تطبيق الإسلام بدون قوة وسلطان المسلمين، لأن القوة والسلطان للأمة، تنصب الحاكم وتبايعه على الحكم بما أنزل الله، وتحاسبه على هذا الأساس، وتقاتل معه كل من يتعدى على كيان الدولة ومبدئها، وتحمل معه المبدأ إلى غيرها من الأمم والشعوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الإمام جنة، يقاتل من ورائه ويتقى به) ومن مأثور القول: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ).
وعليه، لا تكون الدار، دار إسلام إلا بأمرين:
أحدهما: أن تخضع هذه الدار ومن فيها لأحكام الإسلام في جميع شؤون الحياة.
ثانيهما: أن يكون أمان هذه الدار ومن فيها بأمان المسلمين.
فإن توفر هذان الأمران معاً في دولة كانت دار إسلام، وإن فقدت أحدهما لا تكون دار إسلام، وإنما تكون دار كفر، ولو كان جميع أهلها من المسلمين.
وهذا الوصف للدار مستنبط من الأدلة الشرعية، قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً...) فتمكين الدين، تطبيقه وسيادته في المجتمع، والأمن الذي يعمهم هو الأمان الذي يوفرونه لرعيتهم بقوتهم. وقد جاء وصف دار الإسلام، بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين من جهة، وبين المشركين واليهود المقيمين في ضواحي المدينة من جهة أخرى، ومما جاء في هذا الكتاب: (وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم..) فالحكم في هذه الدار للإسلام فقط. وجاء في الكتاب أيضاً: (وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وأن بينهم – أهل الصحيفة – النصر على من دهم يثرب...) فأمان يثرب بأمان المسلمين، وبمن خضع لحكم الإسلام من يهود ومشركين، وجاء في الحديث الشريف الذي رواه مكحول، قال: (ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم إلا في دار الإسلام) وفيه دليل على أن الدار داران، دار إسلام، ودار غير إسلام، وهي دار حرب أو دار كفر.
والدار توصف بالإسلام لا لذاتها ولا لسكانها، وإنما لحكمها وأمانها، لأنهما هما اللذان يظهران فيها الإسلام، وإن كان معظم أهلها غير مسلمين، كما كان يحصل في الفتوحات الإسلامية، إذ كان مجرد خضوع البلد وسكانها لحكم الإسلام وأمان المسلمين أمارة على أنها أصبحت جزءاً من دار الإسلام، وكذلك إن احتل الكفار بلداً من دار الإسلام، أصبحت دار كفر، وإن كان أهلها مسلمين ويطبقون بعض أحكام الإسلام، لأن أمانها وحكمها أصبحا للكفار وليسا للمسلمين.
وبناءً على وصف الدار الشرعي، فبلاد المسلمين اليوم جميعها دار كفر، لأنها لا تحكم بالإسلام، وإن كان أمان بعضها بأمان المسلمين، وإن كان بعضها يطبق بعض أحكام الإسلام كأحكام الزواج أو العقوبات، فليست العبرة بتطبيق بعض الأحكام الشرعية، ولا بالنص على أن دين الدولة الإسلام، أو بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للأحكام، وإنما العبرة بتحكيم الإسلام في جميع شؤون الحياة، بحيث تكون العقيدة الإسلامية هي الأساس الوحيد لكل ما في الدولة، من أفكار وأنظمة ومفاهيم، فكل شيء ينبثق منها أو يبنى عليها، ولا يحل للحاكم أن يتبنى، ولو حكماً واحداً، لا ينبثق عنها، قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله...) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه...) فالسيادة في دار الإسلام للشرع فقط، وليست للشعب أو للحاكم أو للعقل أو للأمم المتحدة، والانقياد فيها لا يكون إلا لشرع الله، والسمع والطاعة واجبة للحاكم إن كان منفذاً لهذا الشرع، وإلا فلا سمع ولا طاعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) .
والحياة تابعة للدار، فدار الإسلام، الحياة فيها حياة إسلامية، ودار الكفر الحياة فيها غير إسلامية. فعلى حملة الدعوة اليوم، الذين يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية، أن يدركوا أن الدار التي يعيش فيها المسلمون الآن، دار كفر وأن الحياة فيها غير إسلامية، وإلا لما دعونا وعملنا فيها لاستئناف الحياة الإسلامية.
فالواقع الذي نعيشه اليوم، من حيث الدار ومن حيث الحياة، لا يختلف في جوهره عن الواقع الذي وجده الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ولا عن الواقع الذي وجده مصعب بن عمير في المدينة، فمكة وإن أصبح فيها عدد من المسلمين فقد كانت دار كفر، والمدينة المنورة وإن صار فيها، قبيل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، عدد أكثر من المسلمين، فقد كانت أيضاً دار كفر، لأن كلا منهما لم يتوفر فيها الأمران معاً، وهما حكم الإسلام، وأمان المسلمين.
وقد يتبادر إلى ذهن البعض ما أعلنته بعض الأقطار في العالم الإسلامي، بأنها جمهورية إسلامية، وبأن الإسلام هو المصدر الرئيسي لتشريعها، فيسأل: لماذا لا تكون مثل هذه الدول دار إسلام ؟ والجواب على ذلك يظهره واقع هذه الدول التي تزعم أنها دول إسلامية، إذا أنها لا تختلف عن سائر أقطار المسلمين إلا بالاسم، وببعض التشريعات والترقيعات للأنظمة الوضعية، وإلا فهي بشكل عام تلتزم بقوانين وأنظمة الكفر، فهي تعترف بالدول القائمة في العالم الإسلامي، وتنادي بالمحافظة على استقلال كل دولة، وهي أيضاً تلتزم بقوانين الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي قوانين كفر، أوجدها الكفار في الأصل للقضاء على دولة الخلافة زمن العثمانيين، ولا تزال الدول المنشئة لهذه المنظمة الدولية والمشرفة عليها، تحارب الإسلام والمسلمين في كل مكان، باسم التطرف والإرهاب والأصولية.
ونظام الحكم في الإسلام، ليس جمهورياً ديمقراطياً، ولا ملكياً وراثياً، وإنما هو نظام الإسلام وحسب، وهو نظام خاص لدولة خاصة، يختلف عن الأنظمة الوضعية، فلا يجوز أن يوازنوه بها، ولا أن يفسروه حسب أهوائهم من أجل أن يشابه غيره.
وأما الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، فهي دولة متميزة كالنظام الذي تطبقه، وتقوم على أربعة أسس هي :
أ) السيادة فيها للشرع، لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر...) فالشرع هو المرجع الوحيد في الحكم على الأفعال والأشياء، وفي فض النزاع بين الحاكم والرعية.
ب) السلطان للأمة، فهي التي تملك القوة، وتملك الحق في مبايعة الخليفة لينوب عنها في تطبيق أحكام الإسلام، مستنداً إلى قوتها ووعيها في تطبيقه، والمحافظة عليه، وحمله إلى العالم، قال صلى الله عليه وسلم: (فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) فهي صاحبة السلطان والحكم والقوة، تحافظ على وحدة الخلافة بقوتها.
ت) فرضية وحدة الخلافة، إذ يحرم على المسلمين شرعاً أن يكون لهم أكثر من خليفة في آن واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) وبناءً عليه يحرم على الدولة الإسلامية أن تعترف بأي كيان للمسلمين سواها، بل يجب عليها أن تعمل حال قيامها لضم بلاد المسلمين جميعها في دولة واحدة، حرباً أم سلماً. ولا يجوز أن تتبادل السفراء بينها وبين الدول القائمة في بلاد المسلمين، أو أن تعاملها كدول للمسلمين.
ث) للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية لرعاية شؤون المسلمين، ولا سيما إذا تعددت الاجتهادات الشرعية في المسألة الواحدة، فهو المسؤول أمام الله، وتجاه المسلمين عن تطبيق الإسلام، وقد ثبت ذلك بإجماع الصحابة، ومن هذا الإجماع أخذت القواعد الشرعية المشهورة: (أمر الإمام يرفع الخلاف)، (أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً)، (للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات) .
وللدولة الإسلامية جهاز تنفيذي خاص بها، أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، والتزم به خلفاؤه الراشدون من بعده، ثم أقام معظمه الخلفاء المسلمون من بعدهم حتى هدمت دولة الخلافة عام 1924م، ويتكون هذا الجهاز من: الخليفة، والمعاونين، والجيش، والولاة، والقضاة، والجهاز الإداري، ومجلس الشورى، فشكل الحكم فيها ليس ملكياً أو جمهورياً، ولا امبراطورياً أو اتحادياً، وإنما هو نظام الخلافة.
مستمعينا الكرام نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، على أن نتابع معكم في الحلقة القادمة ان شاء الله ما هي الأمور التي تجعل الدولة الإسلامية دولة فريدة من نوعها إن هي طبقت نظام الخلافة.
وإلى أن نلتقي بكم في ذلك الوقت نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد عبدالله