الطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية - بقلم الأستاذ محمد عبد الله - 6
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
إخوة الإيمان: ذكرنا في الحلقة السابقة أنه قد سار عدد من الأحزاب والجماعات الإسلامية العاملة لاستئناف الحياة الإسلامية، في طرق مختلفة ومخالفة للطريق الشرعي، وذلك نتيجة لاجتهاداتهم التي توصلوا إليها، وصنفنا هذه الاجتهادات إلى صنفين: صنف ناتج عن عدم معرفة مناط الحكم، وصنف ناتج عن عدم معرفة الحكم الشرعي المنطبق عليه.
وقد ألقينا الضوء على الصنف الأول وهو الصنف الناتج عن عدم معرفة مناط الحكم معرفة صحيحة .
وفي هذه الحلقة سنلقي الضوء على الصنف الثاني وهو الصنف الناتج عن عدم معرفة الأحكام المتعلقة بالتغيير :
فهناك بعض الجماعات الإسلامية، استدلوا بأدلة واستنبطوا أحكاماً وقاموا بأفعال، لا علاقة لها بالطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية، رغم أنهم يدعون لذلك، فتوهموا، وأوهموا غيرهم بأنهم سائرون في الطريق الصحيح، ولبيان ذلك نقرأ لأحد (دعاتهم) المعروفين، في معرض توجيهه للشباب خلال الصحوة الإسلامية، يقول: (أوصي الشباب أن ينزلوا إلى هؤلاء في مواقعهم، ليسهموا في تعليم الأميين حتى يقرأوا، وفي علاج المرضى حتى يصحوا، وفي تقوية المتعثرين حتى ينهضوا، وفي مساعدة المتبطلين حتى يعملوا، وفي معاونة المحتاجين حتى يكتفوا، وفي توعية المتخلفين حتى يتطوروا ...) ويقول أيضاً في نفس المقال: (على الشباب أن ينشئوا لجاناً لمحو الأمية، وجمع الزكاة وتوزيعها، ولإصلاح ذات البين ولمحاربة الأمراض المتوطنة ولمعالجة الإدمان على التدخين أو المسكرات أو المخدرات، لمقاومة العادات الضارة ونشر العادات الصالحة بديلاً عنها)، ويقول أيضاً: (إن إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله، وبجمع المسلمين على الإسلام، وتوحدهم تحت رايته، فريضة على الأمة الإسلامية، يجب أن نسعى إليها ...) ثم يقول بعد ذلك: (وإلى أن يتحقق هذا الأمل ينبغي أن يشتغل الناس بما يقدرون عليه .. مثل: إنشاء صندوق للزكاة، أو مستوصف شعبي أو مستشفى خيري، وغيرها من الأعمال الخيرية)، مستدلاً بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) .
إن هذه الأعمال التي تقوم بها بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية، التي تتبنى ما قاله هذا (الداعية) هي أعمال مشروعة مطلوبة على سبيل الفرض أو الندب، من الدولة أو من الفرد، ولكنها غير مطلوبة شرعاً من الحزب أو الجماعة الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، لأن الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم، قد أناط بكل جهة مسؤولية معينة تقوم بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته) .
في هذا الحديث المتفق عليه، قسم الله المسؤوليات، وعلى كل راع واجب القيام بمسؤوليته تجاه رعيته التي عينها الشرع، فرعاية شؤون الناس هي مسؤولية الحاكم، يقوم بها الجهاز التنفيذي للدولة وهي ليست مسؤولية الأفراد أو الأحزاب، فانشغال الجماعات الإسلامية بمسؤولية الحاكم، هو انشغال بأعمال ليست من مسؤوليتهم. هذا من جهة ومن جهة أخرى هو معاونة للحاكم الذي يراد تغييره، وذلك برعاية شؤون الناس التي يجب أن يرعاها هو، مما يخدر الناس ويقوي سلطة الحاكم. والرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوة لنا، لم يرو عنه أنه اشتغل في العهد المكي، عهد حمل الدعوة، بما هو من صلاحية ومسؤولية الحاكم، ولما مر بآل ياسر وهم يعذبون، قال لهم: (صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، ولم يجمع مالاً من الصحابة لعتقهم، ولم يأمر بذلك، بل قام أبو بكر وغيره من الصحابة كل بمفرده، بهذا العمل على أنه عمل مندوب يبتغون منه الثواب من الله، ولم يقم صلى الله عليه وسلم بتشكيل لجان لرفع الظلم أو الفقر عن الناس، بل كان يطلب من الصحابة تحمل الأذى، والثبات على الدعوة، كما فعل أتباع الرسل السابقين، حتى يأتي نصر الله، وظلوا ثابتين على الطريق الشرعي الذي رسمه رب العالمين لهم، دون أن يقوموا بأي عمل مادي يدفع الأذى عنهم، بل كان بعضهم يتطوع كفرد للقيام ببعض الأعمال المادية، كضرب سعد بن أبي وقاص لأحد المشركين أثناء الحصار في شعب أبي طالب، وكشراء أبي بكر لبلال بن رباح وعتقه.
أما جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها، فإنه عمل من أعمال الدولة، وليس من أعمال الفرد أو الحزب، فإن لم توجد الجهة المسؤولة عن ذلك، وهي الدولة الإسلامية، وجب على المسلم المالك لنصاب الزكاة أن يعطيها هو لمستحقيها مباشرة ودون لجان، ولا يدخل تشكيل اللجان تحت قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، لأنها تتم بدون لجان، وإنما يدخل تحت هذه القاعدة بالنسبة للزكاة، وجوب إقامة الدولة الإسلامية، لأنه لا يتم أخذ الزكاة المستحقة جميعها، وتوزيعها على أصحابها، ومعاقبة مانعيها بالوجه الشرعي إلا بوجود الدولة الإسلامية. وكذلك مساعدة المحتاجين، وتطبيب المرضى ومحاربة المحرمات وغيرها هي من مسؤولية الدولة وليست من مسؤولية الفرد أو الحزب، فإن قام بها الفرد بغض النظر عن انتمائه لحزب فعمله مندوب ويستحق عليه الثواب، ولا يسقط عنه إقامة الدولة. أما الحزب أو الجماعة التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، فلا يجوز لها أن تشغل نفسها بما هو من مسؤولية الدولة وليس من مسؤوليتها لأن أعمال الطريقة لاستئناف الحياة يجب أن تصدر عن دليل شرعي يبين أنها من أعمال حمل الدعوة، وإلا انشغل حملة الدعوة بأمور لا علاقة لها باستئناف الحياة الإسلامية مما يقود إلى الإخفاق، لأن الالتزام بأحكام الطريقة من الشروط الشرعية لنصر حملة الدعوة، قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم)، ونصر الله هو اتباع ما أمر به في محله.
وهذه ليست دعوة لترك القيام بأعمال الخير، أو لترك الالتزام بأحكام الشرع، وإنما هي دعوة لكل راع أن يقوم بما طلبه الله منه تجاه رعيته، فالمسلم كفرد مطلوب منه أن يصلي ويصوم ويزكي ... وأن يساعد الفقير، وأن يرعى اليتيم و ... وغيرها من الأعمال المطلوبة منه على وجه الفرض أو الندب أو الإباحة، ومطلوب منه أيضاً أن يعمل مع جماعة أو حزب لاستئناف الحياة الإسلامية، امتثالاً لقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، وقد حدد الشارع الأعمال السياسية والفكرية التي يقوم بها الحزب أو الجماعة بواسطة أعضائه، وهي غير الأعمال المطلوبة من الفرد، وغير الأعمال المطلوبة من الدولة، فلكل جهة مسؤوليتها ورعيتها، وذلك اتباعاً لأوامر الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدور المكي، فقد اقتصر عمله على تهيئة المجتمع لإقامة الدولة .
ولا يقال أن هذه الأحكام المتعلقة بالزكاة ورعاية الشؤون لم تكن قد شرعت بعد، وهي الآن غير مطلوبة كما هو مطلوب حمل الدعوة، لا يقال ذلك لأن الله الخبير البصير، كان ينزل من الوحي ما يحتاج له الناس في حينه، فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يؤمروا كجماعة أن يشكلوا لجاناً أو جمعيات خيرية لرعاية شؤون الناس، لأن حكمة الله اقتضت أن تكون هذه الأعمال من مسؤولية الدولة وليست من مسؤولية الأحزاب أو الأفراد.
فالله تعالى أمر المسلم كفرد أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، وأن يضربه عليها لعشر، ولم يأمره بقطع يد ولده إن سرق، أو بقتله إن ارتد عن الإسلام، لأن تطبيق الحدود ليست من مسؤولية الفرد وإنما هي مسؤولية الدولة.
وهذا لا يعني أن يتفرغ جميع حملة الدعوة لأعمال الدعوة، بل عليهم أن يرعوا أسرهم، وأن يربوا أولادهم، وأن يطلبوا الرزق في مظانه وغيرها من الأعمال المطلوبة منهم شرعاً، وأن يقوموا بما يكلفون به من حمل الدعوة من قبل مسؤولهم.
وعلى الحزب أو الجماعة أن يقتصر على الأعمال التي هي من مسؤوليته شرعاً، لأن الانشغال بغيرها، زيادة على أنها غير شرعية، فهي تعيق الحزب وتحرفه عن خط سيره الشرعي، وتشغله عن عمله الأساسي.
فعلى المسلمين، وعلى الأحزاب والجماعات الذين يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية، أن يتحروا بشكل دقيق الطريقة التي اتبعها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية، ليسيروا على هديه ونهجه، لا يحيدون عنها قيد شعره، لكي يصلوا إلى ما وصل إليه من نصر، (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز) .
إخوة الإيمان أشكر لكم حسن استماعكم وتواصلكم معنا وإلى أن ألتقي بكم في موضوع جديد أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.