الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط ح16 عهد جديد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احبتنا الكرام ونرحب بكم مجددا مع سلسلتنا المتواصلة عن الأندلس.


تحدثنا في الحلقة السابقة عن الحال التي وصلت له الأندلس من نزاعات وانقسامات وقلنا أن أمر الأندلس أصبح يحتاج في إصلاحه إلى معجزة إلهية، وبالفعل حدثت المعجزة بفضل من الله ومَنٍّ وكرم منه على المسلمين، وذلك بدخول رجل يدعى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي إلى أرض الأندلس، وذلك في شهر ذي الحجة من سنة ثمانٍ وثلاثين ومائة من الهجرة.


نزل عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله على ساحل الأندلس، ثم انطلق معه إلى قرطبة، كان يحكم الأندلس في ذلك الوقت يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وكالعادة كان في الشمال يقمع ثورة من الثورات، ذلك الوقت الذي قال عنه المؤرخون- كما ذكرنا - كاد الإسلام أن ينتهي من بلاد الأندلس في عام ثمانية وثلاثين ومائة.


ويدخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس ويبدأ في تجميع الناس من حوله، محبي الدولة الأموية، والبربر، وبعض القبائل المعارضة ليوسف بن عبد الرحمن الفهري، وقد جاء بعض الأمويين من بقاع الأرض المختلفة، ومع ذلك لم يجد العدد كافيا والذي يستطيع به أن يغير من الأوضاع.


فكر عبد الرحمن بن معاوية في اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع يوسف بن عبد الرحمن الفهري الحجازي رغم كونه أيضا من الحجاز، لكنهم رأوا أنهم ليس لهم طاقة بيوسف بن عبد الرحمن الفهري، فقبلوا أن يتحدوا مع عبد الرحمن بن معاوية.


كان على رأس اليمنيين في ذلك الوقت أبو الصباح اليحصبي، وكان المقر الرئيسي لهم أشبيلية، وهي المدينة الكبيرة التي تعد حاضرة من حواضر الإسلام في ذلك الوقت، فذهب عبد الرحمن بن معاوية بنفسه إلى أشبيلية واجتمع طويلا مع أبي الصباح اليحصبي، واتفقا على أن يقاتلا سويا ضد يوسف بن عبد الرحمن الفهري.


قبل القتال كان عبد الرحمن بن معاوية قد أرسل عدة رسائل إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري يطلب وده وأن يسلم له الإمارة ويكون الفهري رجلا من رجاله في بلاد الأندلس، بحكم أنه (عبد الرحمن) حفيد هشام بن عبد الملك من رموز الخلافة الأموية، لكن يوسف الفهري رفض كل ذلك، وجهز جيشا وجاء ليحارب عبد الرحمن بن معاوية ومن معه.


من المؤسف حقا أن يلتقي المسلمون بسيوفهم، لكن كثرة الثورات وكثرة الفتن والانقلابات جعلت الحل العسكري هو الحل الحتمي في ذلك الوقت، فعبد الرحمن بن معاوية أراد استمرار الحكم للأمويين بعد أن خرج العباسيون على الحكم واستولوا عليه.


ففي ذي الحجّة سنة ثمان وثلاثين ومائة، وفي موقعة كبيرة عرفت في التاريخ باسم موقعة المسارة أو المصارة، دار قتال شرس بين يوسف بن عبد الرحمن الفهري من جهة وعبد الرحمن بن معاوية الذي يعتمد بالأساس على اليمنيين من جهة أخرى.


وقبل القتال كان أبو الصباح اليحصبي (رئيس اليمنيين) قد سمع بعض المقولات من اليمنيين تقول إن عبد الرحمن بن معاوية غريب عن البلاد، ثم إن معه فرس عظيم أشهب، فإن حدثت هزيمة فسيهرب من ساحة القتال ويتركنا وحدنا للفهريين.


وصلت عبد الرحمن بن معاوية تلك المقولة، فقام وفي ذكاء شديد يفوق سن الخامسة والعشرين وذهب بنفسه إلى أبي الصباح اليحصبي وقال له إن جوادي هذا سريع الحركة ولا يمكّنني من الرمي، فإن أردت أن تأخذه وتعطيَني بغلتك فعلت، فأعطاه الجواد السريع وأخذ منه البغلة يقاتل عليها، حينئذ قال اليمنيون إن هذا ليس بمسلك رجل يريد الهرب، إنما هو مسلك من يريد الموت في ساحة المعركة، فبقوا معه وقاتلوا قتالا شديدا، ودارت معركة قوية جدا، انتصر فيها عبد الرحمن بن معاوية، وفَرّ يوسف الفهري.


كان عادة المحاربين في ذلك الزمن أن يتبع الجيش المنتصر فلول المنهزمين والفارين، ليقتلوهم ويقضوا عليهم، ومن ثَمّ على ثورتهم، وحين بدأ اليمنيون يجهزون أنفسهم ليتتبعوا جيش يوسف الفهري منعهم عبد الرحمن بن معاوية وقال لهم قولة ظلت ترن في أصداء التاريخ، أمارة على علم ونبوغ، وفهم صحيح وفكر صائب في تقدير الأمور، قال لهم: لا تتّبعوهم، اتركوهم، لا تستأصلوا شأفة أعداء ترجون صداقتهم، واستبقوهم لأشد عداوة منهم.


يريد رحمه الله أن هؤلاء الذين يقاتلوننا اليوم سيصبحون غدا من جنودنا، ومن ثم عونا على أعدائنا من النصارى وغيرهم في ليون وفرنسا وغيرها. فهكذا رحمه الله كان ذو نظرة واسعة جدا تشمل كل بلاد الأندلس، بل تشمل كل أوروبا.


بعد موقعة المسارة والسيطرة على منطقة قرطبة والجنوب الأندلسي لُقب عبد الرحمن بن معاوية بعبد الرحمن الداخل؛ لأنه أول من دخل من بني أمية قرطبة حاكما، كما كان له كثير من الأيادي البيضاء على الإسلام في بلاد الأندلس كما سنرى.


ومنذ أن تولى عبد الرحمن الداخل الأمور في بلاد الأندلس عُرفت هذه الفترة بفترة الإمارة الأموية، وتبدأ من سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة، وتنتهي سنة ست عشرة وثلاثمائة من الهجرة، وسميت "إمارة" لأنها أصبحت منفصلة عن الخلافة الإسلامية، سواء كانت في عصر الخلافة العباسية أو ما تلاها بعد ذلك من العصور إلى آخر عهود الأندلس.


بدأ عبد الرحمن الداخل ينظم الأمور في بلاد الأندلس، كانت هناك ثورات كثيرة جدا في كل مكان من أرض الأندلس، وبصبر شديد وأناة عجيبة أخذ عبد الرحمن الداخل يراوض هذه الثورات الواحدة تلو الأخرى، وبحسب ما يتوافق معها أخذ يستميل بعضها ويحارب الأخرى.


وفي فترة حكمه التي امتدت أربعة وثلاثين عاما متصلة، من سنة ثمان وثلاثين ومائة وحتى سنة اثنتين وسبعين ومائة كانت قد قامت عليه أكثر من خمس وعشرين ثورة، وهو يقمعها بنجاح عجيب الواحدة تلو الأخرى، ثم تركها وهي في فترة من أقوى فترات الأندلس في التاريخ بصفة عامة.


نكتفي بهذا القدر ونعود الأسبوع القادم لنكمل معكم باقي أحداث هذه الفترة ، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


كتبته : أم سدين

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع