الأربعاء، 23 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  تغيُّر المشهد الإعلامي... ولكن لصالح من؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عَرَف المشهد الإعلامي في الآونة الأخيرة تغييرا واضحا على مستوى القطاع الخاص بعد نجاح رجل الأعمال سليم الرياحي في الحصول على ذبذبات قناة "التونسية" وشراء جزء هام من رأسمال قنوات "نسمة" الفضائية.


أما الإعلام العامّ فهو بدوره يشهد مخاضا عسيرا ليتكيف مع استحقاقات "المسار الانتقالي"، وليس من السهل إدراك مسحة التغيير هذه إلا بعد تدقيق وتمحيص خاصة إذا تعلق الأمر بالصحافة المكتوبة... ربما في هذا الإطار يتنزل مقال تحت عنوان:


«هل يكون الغاز الطبيعي مفتاح التنمية في تونس؟» نشرته "الشروق" في عددها الصادر يوم الاثنين 30/09/2013 لكاتب مجهول (ت.ت)، سخّر فيه كلّ إمكاناته الذهنية، مستنزفا جهده وطاقته في البحث والتنقيب عن الأرقام والنّسب التي تدعم نظرية فقر هذه البلاد وعجزها عن تأمين حاجتها من الطاقة، في تعدٍّ صارخ على ذكائنا واستبلاهٍ فاضح لعقولنا.


الخطاب القديم الذي يبعث على الاشمئزاز وملّت أذن التونسي من سماعه وتكراره منذ الاستقلال المزعوم من كون البلاد معدمة من الموارد لم يعد يجد له سوقا بعد الثورة، خاصّة ونحن نرى ونسمع تهافت الشركات الأوروبية على التنقيب والاستثمار في مجال النفط والغاز والفوسفات وغيرها من الثروات...


الخطير في الأمر أن الكاتب لم يقف عند هذا الحدّ، بل يكتشف القارئ أن التركيز على إثبات العجز المتزايد في مجال الطاقة مقابل ارتفاع الاستهلاك المحلّي كان تمهيدا وإعدادا نفسيّا للمتلقّي لما هو أسوأ، لكي يسلّم بالحلّ المقترح باعتباره طوق النجاة الوحيد أو الأمثل لتجاوز أزمة الطاقة المزعومة.


تقول الصحيفة: «تزخر تونس بكميّات كبيرة من الغاز الطبيعي سجينة في تكوينات صخريّة الأمر الذي يتطلّب تكنولوجيا متطوّرة لحفر المناطق واستخراج الغاز»
هو "غاز الشيست" إذن ..!!! وليس الغاز الطبيعي التقليدي!!


لذلك أستسمح صاحب المقال المجهول في تعديل العنوان ليصبح: «هل يكون غاز الشيست مفتاح التنمية في تونس؟» والاستعاضة بالغاز الطبيعي مقصودة دون شكّ وليست "زلّة قلم".. لأنّ إقحام "غاز الشيست" في العنوان و"بالخطّ العريض" له وقع سيّء على "الحسّ الجمعي" قبل "العقل الجمعي" والكاتب سيّد العارفين...


هذا المقال الذي حاول فيه صاحبه "التلطيف" من مخاطر استخراج الغاز الصخري (وأهمّها تلوّث المائدة المائية وما ينجرّ عن ذلك من انتشار للأمراض... وهزّات أرضية وزلازل...) لا يمكن أن يكون الدافع من وراء نشره في هذا التوقيت بالذات بريئا.. والموضوعية التي حاول الكاتب التلبّس بها أدّت مفعولا عكسيّا، لأنّنا كنّا ننتظر أن يكشف لنا عن الجهة التي نجحت - عبر طرق ملتوية - في الحصول على صفقة استخراج الغاز الصخري ولكنّه لم يفعل.. ممّا يعزّز انخراطه في تسويق وتبرير الجريمة الواقعة. ولئن استشهد بالولايات المتحدة الأمريكية كمثال يحتذى به في مجال استخراج الغاز الصخري في السنوات القليلة الماضية باستعمال تقنية التكسير المائي، فإنّي أذكّره أنّ فرنسا يوم 11 أكتوبر 2013 أعادت تفعيل قانون 13 جويلية 2011 بتحجير استعمال التكسير المائي (fracturation hydraulique) لاستخراج النفط والغاز الصخري...


مرّة أخرى نجد أنفسنا على موعد مع السياسة البريطانية، هذه الدولة الاستعمارية التي تغلغلت في جميع القطاعات تقريبا بهدوء وخبث شديدين ليس غريبا على الإنجليز... فمن المعلوم أنّ الشركة البريطانية "شال" وقع تجميد رخصتها لاستخراج "غاز الشيست" في القيروان على خلفيّة ما أثارته هذه المسألة من ضجّة وردود أفعال قويّة حتى تحت قبّة المجلس التأسيسي... الحكومة متواطئة مع البريطانيين في هذا الجرم وإلاّ كيف نفهم تعمّد سلطة الإشراف تجميد الرخصة وجعلها حكرا على شركة "شال" المتحصّلة على الموافقة المبدئية وعدم إعادة فتح طلب عروض يخوّل لشركات أخرى تقديم عروض جديدة بضمانات جدّية لحماية البيئة...


ذكرت صحيفة المغرب في عددها الصادر الأحد 29/09/2013 ما يلي: "وتجدر الإشارة إلى أنّ مصدر من الشركة التونسية للأنشطة البترولية كان قد صرّح »للمغرب «منذ فترة أنّ الحكومة تنتظر الصيغة النهائية من الاتفاق بينها وبين شركة شال للانطلاق في استغلال "غاز الشيست" باعتبارها متحصّلة على الموافقة المبدئية وأنّ وزير الصناعة السابق قال أنّه لا تراجع عن المشروع..."


لا تراجع عن مشروع تنهب بموجبه الشركة البريطانية 80% من الإنتاج علاوة على الأضرار التي ستصيب البيئة والإنسان!!! لذلك وصف السفير الإنجليزي "Christopher Paul O'Connor" هذا المشروع بأنّه الأضخم في تونس (mega projet) بعد مشروع "تونور" لتصدير الكهرباء الذي رفضت الجزائر شبيها له على أراضيها... يبدو أن صحيفة "الشروق" بعد إثارة موضوع "غاز الشيست" مرّة أخرى في الإعلام (شال تجد طريقا آخر لاستخراج الغاز الصخري - المغرب - 29/09/2013) وجدت نفسها مضطرّة في اليوم التالي 30/09/2013 للردّ المبطّن في محاولة لاحتواء الموضوع..


ولكنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، إذا كانت الحكومة متورّطة مع بريطانيا وشركاتها في نهب ثروات البلاد فما الذي يدفع بعض الصحفيين أو الإعلاميين لتبرير هذه الخيانة والتسويق لها على أنّها ضرورة لا مفرّ منها؟؟


• هل من الممكن أن تشرف بريطانيا - عبر سفيرها ومساعد وزير خارجيتها وليام هيج - على سير العملية الانتقالية دون السيطرة على الإعلام المنفلت في معظمه؟


• هل من الممكن أن ينهب التاج البريطاني ثرواتنا بهذه الطريقة الفجة السافرة دون أن يكون له ذراع إعلامي وخطّ تحريري منضبط على إيقاع المصالح البريطانية؟


قطعا لا.


لذلك كلّه لم يغب عن صنّاع القرار وواضعي السياسة الخارجية البريطانية المتعلّقة بالبلدان التي شهدت انتفاضات (تونس - ليبيا - اليمن) ضرورة قلب المشهد الإعلامي لصالح عملية المسار الانتقالي التي تديرها لندن بسند من الاتحاد الأوروبي ولا سيّما ألمانيا.

 


وقد لعب "الأخطبوط الإعلامي" دورا مركزيا فيما يسمّى بـ"إصلاح الإعلام" بعد الثورة:

 

هيئة الإذاعة البريطانية ممثلة في شخص مديرها الإقليمي السيدة نجلاء العمري، كانت مواكبة لأدق تفاصيل عمليّة "الإصلاح" منذ إنشاء "الهيئة المؤقتة لإصلاح الإعلام" التي شكّلتها حكومة محمّد الغنوشي وقد عبّرت عن رضاها تمام الرّضا عن عمل هذه الهيئة قبل انتخابات 23 أكتوبر2011.


الدورات التدريبية التي نظمتها الـBBC لم تنقطع منذ سنتين، وهي تأتي في إطار الشراكة بين التلفزة التونسية والـBBC media action وتهدف إلى تأطير فريق عمل متكامل من صحفيين ومقدمين مختصّين في البرامج الحوارية الكبرى ومخرجين بتمويل بريطاني خالص... والغاية من وراء هذه الشراكة التأسيس لمدونة سلوك بمثابة "المرجعية" تكون الضابطة للسياسة التحريرية للمؤسسات الإعلامية والاقتداء بالتجربة البريطانية في هذا المجال، وفق ما صرّح به السيّد عدنان خضر الرئيس المدير العام الأسبق للتلفزة الوطنية في ماي 2012، وقد توّجت هذه الجهود البريطانية بالإعلان في مارس 2013 عن مشروع مدوّنة سلوك خلال ورشة عمل احتضنتها التلفزة التونسية وأشرفت عليها المديرة الإقليمية لهيئة الإذاعة البريطانية.


يبدو أنّ الصحافة المكتوبة في تونس - رغم أنّها غير ملزمة على الأقل نظريا - وافقت على الالتزام بهذه المدوّنة (ما عدا قلة أرادت الوفاء لسياستها التحريرية)
فهل يكون التسويق لنهب الثروات وتخريب البيئة على أيدي الشركات البريطانية أولى ثمرات الالتزام "المهني" بالخطّ التحريري "البريطاني"؟ وهل ستكون صحافتنا المكتوبة الرّائدة في هذا المجال السبّاقة إلى تبرير الجرائم البريطانية بحقّ هذا البلد والأولى في تزييف وعي الجماهير؟

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فتحي الأكحل

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع