الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط ح27

بسم الله الرحمن الرحيم


حياكم الله احبتنا الكرام، ونحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نستأنف وإياكم حلقات سلسلتنا، الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط ...


من خلف ستار الخلافة الأموية ظل الحاجب المنصور يحكم الأندلس ابتداء من سنة ست وستين وثلاثمائة وحتى وفاته سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، وقد استخلف على الحِجابة من بعده ابنه عبد الملك بن المنصور، فتولى الحِجابة من حين وفاة والده وحتى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، أي سبع سنوات متصلة، سار فيها على نهج أبيه في تولي حكم البلاد، فكان يجاهد في بلاد النصارى كل عام مرة أو مرتين، كل هذا وهو أيضا تحت غطاء الخلافة الأموية.

 

في هذه الأثناء وعند بداية ولاية عبد الملك بن المنصور أمر الحجابة كان الخليفة هشام بن الحكم قد بلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، ومع ذلك فلم يطلب الحكم ولم يحاول قط أن يُعمل نفوذه وسلطانه في بلاد الأندلس، فكان فقط قد تعود على حياة الدعة واستماع الأوامر من الحاجب المنصور ومن تلاه من أولاده.

 

في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة وفي إحدى الحملات في الشمال يُتوفى عبد الملك بن المنصور، ثم يتولى أمر الحجابة من بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور؛ حيث كان أولاد بني عامر يتملكون زمام الأمور في البلاد، وأخذ أيضا يدير الأمور من وراء الستار، لكنه كان مختلفا عن أبيه وأخيه، فبالإضافة إلى أن أمه كانت بنت ملك نافار وكانت نصرانية، فقد كان عبد الرحمن بن المنصور شابا ماجنا فاسقا شَرّابا للخمر فعالا للزنا كثيرَ المنكرات، فكان أهل الأندلس يكرهونه بدرجة كبيرة، تلك الأمة التي كان غالبيتها من المسلمين كانوا يكرهون أن يتولى أمرهم من جاء من أم نصرانية.

 

وفوق ذلك فقد قام عبد الرحمن بن المنصور بعمل لم يُعهد من قبل عند العامريين، وهو أنه أقنع الخليفة هشام بن الحكم في أن يجعله وليا للعهد من بعده، وبذلك لن يصبح الأمر من خلف ستار الخلافة الأموية كما كان العهد حال تولي والده محمد بن أبي عامر أو أخيه عبد الملك بن المنصور، فكان أن ضجّ بنو أميّة لهذا الأمر، وغضبوا وغضب الناس أجمعون، لكن لم تكن لهم قدرة على القيام بأي رد فعل؛ خاصة وأن عبد الرحمن بن المنصور قد جعل جميع الولايات في أيدي العامريين وفي يد البربر الذين هم أتباع العامريين منذ أيام الحاجب المنصور.

 

ومع كل هذا الفسق وهذا المجون الذي كان يعيشه عبد الرحمن بن المنصور إلا أن الأمة كانت قد تعودت حياة الجهاد، والخروج كل عام إلى بلاد النصارى، وفي إحدى المرات خرج عبد الرحمن بن المنصور على رأس جيش من الجيوش إلى الشمال، فانتهز الناس الفرصة وأرادوا أن يغيروا من الأمر، فذهبوا إلى هشام بن الحكم في قصره وخلعوه بالقوة وعينوا مكانه رجلا من بني أميّة اسمه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر ولقب بالمهدي وهو من أحفاد عبد الرحمن الناصر، ثم دبروا مكيدة لعبد الرحمن بن المنصور وقتلوه، وانتهى بذلك عهد ما يسمى في التاريخ بعهد الدولة العامرية.


بعد خلع هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر وولاية محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر الذي تلقب بالمهدي انفرط العقد تماما في الأندلس، فلم يكن يملك المهدي من لقبه إلا رسمه، فكان فتى لا يحسن قيادة الأمور وليس له من فن الإدارة شيء، فكان من أول أعماله في الحكم أنه ألقى القبض على كثير من العامريين ثم قتلهم، ثم بدأ ينتقم من البربر الذين كانوا العون الرئيس لمحمد بن أبي عامر الرجل الأول في الدولة العامرية ولمن خلفه في الحكم من أولاده، فبدأ يقتّل أيضا فيهم ويقيم عليهم الأحكام حبسا وتشريدا.


أثار هذا الفعل غير الحصيف من قبل المهدي غضبا عارما لدى البربر والعامريين، بل وعند الأمويين أنفسهم الذين لم يعجبهم هذا القتل وذاك التشريد، وهذه الرعونة في التصرف، فبدأ يحدث سخط كبير من جميع الطوائف على المهدي.


لم يكن ليقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجمع البربر وانطلقوا إلى الشمال وهناك أتوا بسليمان بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وهو أخو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر الخليفة المخلوع منذ شهور قليلة، فنصّبوه عليهم ولقبوه بخليفة المؤمنين، وبدأ يحدث صراع بين سليمان بن الحكم هذا ومن ورائه البربر وبين المهدي في قرطبة.


وجد سليمان بن الحكم ومن معه من البربر أن قوتهم ضعيفة ولن تقوى على مجابهة قوات المهدي، فقاموا بعمل لم يُعهد من قبل في بلاد الأندلس، فاستعانوا بملك قشتالة وهي أحد جزئي مملكة ليون في الشمال الغربي بعد أن كان قد نشب فيها مملكة ليون حرب داخلية وانقسمت على نفسها في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة إلى قسمين، فكان منها قسم غربي وهو مملكة ليون نفسها، وقسم شرقي وهي مملكة قشتالة، وكانت قد بدأت تكبر نسبيا في أول عهد ملوك الطوائف فاستعان بها سليمان بن الحكم والبربر على حرب المهدي.


وبين المهدي من ناحية وسليمان بن الحكم والبربر وملك قشتالة من ناحية أخرى دارت موقعة كبيرة، هُزم فيها المهدي أو محمد بن هشام بن عبد الجبار، وتولى سليمان بن الحكم مقاليد الحكم في بلاد الأندلس، وبالطبع كانت فرصة لملك قشتالة لضرب الأندلسيين بعضهم ببعض ووضع قاعدة لجيشه وجنده في أرض الأندلس، تلك البلاد التي لطالما دفعت الجزية كثيرا للمسلمين من قبل.


وتدور الأحداث بعد ذلك، حيث يفر المهدي الذي انهزم أمام سليمان بن الحكم أو المستعين بالله إلى الشمال حيث طرطوشة، وفي طرطوشة وحتى يرجع إلى الحُكم الذي انتزعه منه سليمان بن الحكم والذي لم يبق فيه غير شهور قليلة فكر المهدي في أن يتعاون مع أحد أولاد بني عامر، يدعى الفتى واضح، والذي أقنع المهدي بأنه سيتعاون معه ليعيده إلى الملك من جديد ويبقى هو على الوزارة كما كان عهد الدولة العامرية من قبل، الأمر الذي وافق قبولا لدى المهدي، فقبل عرض الفتى واضح وبدءا يتعاونان سويا لتنفيذ مخططهما ذلك.


في بداية الأمر وجد الفتى واضح والمهدي أنهما لن يستطيعا أن يصمدا أمام قوة كبيرة مثل التي يملكها سليمان بن الحكم والبربر ومعهما ملك قشتالة، فهداهما تفكيرهما إلى الاستعانة بأمير برشلونة، وبرشلونة هذه كانت ضمن مملكة أراجون التي تقع في الشمال الشرقي للأندلس، والتي كان يدفع حاكمها الجزية لعبد الرحمن الناصر ولابنه وأيضا للحاجب المنصور، فلما حدثت هذه الهزة في بلاد المسلمين انخلعت من هذه العباءة، وقامت من جديد، فكان أن استعان بجيشها المهدي والفتى واضح في حرب سليمان وملك قشتالة.


وافق أمير برشلونة على أن يساعدهم، لكن على أن يدفعوا له مائة دينار ذهبية عن كل يوم في القتال، ولكل جندي دينار ذهبي عن كل يوم في القتال، وقد تطوع الكثير لحرب المسلمين، فكان عدد الجيش كبيرا. كما أنهم اشترطوا أخذ كل الغنائم من السلاح إن انتصر جيش برشلونة مع المهدي والفتى واضح. ليس هذا وحسب بل أخذ مدينة سالم، وكانت مدينة سالم قد حررها قديما عبد الرحمن الناصر في عهد الخلافة الأمويّة، وهي بلا شك شروط قبيحة ومخزية، ولا ندري كيف يوافق مسلم على مثلها؟!


لكن الذي حدث هو أنهم وافقوا على هذه الشروط، وبدأت بالفعل موقعة كبيرة جدا في شمال قرطبة بين المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار ومعه الفتى واضح العامري ومعهم أمير برشلونة من جهة، وسليمان بن الحكم الخليفة الملقب بالمستعين بالله ومعه البربر من جهة أخرى، انتصر فيها المهدي ومن معه، وانهزم سليمان بن الحكم وفر ومن بقي معه من البربر، وسلمت مدينة سالم لأمير برشلونة، ومثلها الغنائم، وتولى المهدي الحكم من جديد في قرطبة.

 

 


كتبته الأخت أم سدين

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع