هل الدول القائمة في بلاد المسلمين هي دول حقيقية أم مشاريع استعمارية؟!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ينقل لنا الإعلام يوميا بالصوت والصورة السّاسة الغربيين وخاصة المبعوثين الأمريكيين وهم في بلادنا يبحثون في قضايانا ويطرحون الحلول ويلتقون بأعضاء الحكومات والأحزاب والأوساط السياسية وبقادة الجيوش.
ولنا أن نتساءل، هل استُدعي هؤلاء، ومن أعطاهم حق البحث في قضايانا وتقديم الحلول لها؟ ومن خوّل لهم الاتصال بمن يريدون؟ وهل هذا الوجود الكبير لهؤلاء الأجانب هو لإخراجنا من التخلف وإعانتنا على النهوض؟ وهل يستطيع حكامنا رفض هذا التدخل؟ أم عليهم الاستقبال والترحيب بهؤلاء وحراستهم؟
هل أصبح التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين أمرا طبيعيا، وفي العلن بعدما كان خفيا؟
ولكن إذا عرفنا أن الاستعمار هو الذي أوجد هذه البلدان بتقسيمها الحالي وبدساتيرها الحالية بعد أن كانت دولة واحدة، وهو الذي صنع حكامنا بعد خروجه الشكلي، وهو الذي اختلق فيها هذه القضايا والمشكلات.
إذا علمنا هذا اتضحت الصورة وبدا هذا الأجنبي وكأنه في مزرعة تابعة له.
يأتيها من حين لآخر ليتفقد ويعطي التعليمات لكيفية إدارة هذه المشاريع.
يقول "جورج بوش الابن" في خطاب ألقاه سنة 2003: "إن ستين عاما من دعم أنظمة دكتاتورية في العالم العربي مقابل الأمن والاستقرار للولايات المتحدة عادت علينا بالغضب، إذ هذه الشعوب تنظر إلى الأنظمة بأنها عميلة للخارج وأنها غيّبت مفهوم السيادة".
وقبل استلام النهضة للحكم في تونس، زار السفير البريطاني في تونس بصحبة أعضاء من مجلس العموم البريطاني مقرّ حركة النهضة في تونس.
وبعدها عُقدت جلسات سياسية في مجلس العموم البريطاني بمشاركة من أعضاء حركة النهضة.
أما الاتصالات بين إخوان مصر وأمريكا فقد أصبحت في العلن.
فقد صرّح العريان لصحيفة "نيويورك تايمز" عندما نجح الإخوان في الانتخابات بأنّه مرتاح إزاء استعداد واشنطن للقبول بحكومة يقودها الإخوان، وقال "إذا كان الأمريكيون على استعداد لدعم حكومة ديمقراطية في مصر فهذا يعني الكثير".
وأوردت صحيفة المصريون بأن الدكتور حازم صلاح أبو إسماعيل المرشّح المحتمل لرئاسة مصر بعد سقوط مبارك اعتبر اتصال الإدارة الأمريكية بالإسلاميين "بادرة للنّير وبشرى كبيرة تؤكد أن الأمريكان يعرفون ميول الشّعب المصري واتجاهاته"، مرحّبا بلقاءات "جون كيري" رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي في ذلك الوقت مع الأحزاب الإسلامية خلال زيارته لمصر. (يبدو أن الجل الآن تغيّر!).
وذكر فهمي هويدي في مقال على الجزيرة نت بعنوان: اختطاف الربيع العربي: أن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت في 12-02-2011 أن المسؤولين الأمريكيين كانوا واثقين في اليوم الثامن من الشهر ذاته من أن الجيش لن يطلق النّار على المتظاهرين في مصر وأن أولئك المسؤولين قدّروا الدور المهم للجيش الذي له روابطه العميقة بالجيش الأمريكي.
وقال: ذكرت مجلة "نيوزويك" في 12-06-2011 أن رجال المخابرات المركزية الأمريكية أقاموا خلال سنوات مكافحة الإرهاب علاقات وثيقة مع شخصيات رئيسية في الجيوش وأجهزة الأمن والسياسيين في منطقة الشرق الأوسط (انتهى النّقل).
هذا عن اتصالات الوفود، أما عن تدخّل السّفارات واتصالاتها بالوسط السياسي أُورد منها ما وقع في فترة ما بعد سقوط مبارك.
نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر مطّلع بالسفارة الأمريكية في القاهرة أن المسؤولين بالسفارة تقابلوا مع ممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية وعدد من المرشحين المحتملين للرّئاسة مثل عمرو موسى، غير أن المراقبين ركّزوا على اللقاءات مع الإخوان المسلمين فقط.
وذكر المصدر نفسه أن الأحزاب تقوم بدعوة الساسة الغربيين من سفارات وغيرها لحضور بعض فعالياتها وأن الدبلوماسيين يلبّون تلك الدعوات.
وأوردت صحيفة السوسنة أن مصدرا دبلوماسيا غربيا في العاصمة الأردنية عمان قال: أن لقاءً جمع السفير البريطاني في عمان "بيتر ميليت" مع قياديين بارزين في جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين.
وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لصحيفة "يونايتد برس أنترناشيونل" أن السفير "ميليت" أقام مأدبة غداء بمنزله على شرف قياديين بارزين في الحركة الإسلامية برئاسة الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور".
بل هناك ما هو أعظم، وهو التدخل في صياغة الدساتير؛ فقد أوردت صحيفة الأولى اليومية الصادرة في اليمن بتاريخ 09-03-2012 تصريحا لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى "جيفري فيلتمان" قال فيه: سنقدّم أُطرا لمسودّة جديدة للدستور اليمني.
وفي برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة وكان الموضوع "المشهد السياسي في مصر"، استضاف فيه الصحفي أحمد منصور رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور سعد الكتاتني في حكومة مرسي، سأله عن مهمّته فقال: "واجبي أن أعدّ النوّاب لأداء مهامهم، عقدنا اتفاقية مع مؤسسات west minister البريطانية لتدريب النوّاب على صناعة التشريع والقوانين".
ولنأتِ لما هو أدهى وأمر، وهي المناطق الثرواتية من بترول وغاز طبيعي ومعادن والتي تستغلها شركات أجنبية.
فهي مناطق مغلقة ممنوعة على أهل البلاد.
وتمرّ هذه الثروات بعيدة عن الأنظار إلى الموانئ كي تشحن إلى البلدان الغربية وكل هذا بحراسة جيوشنا!.
وهنا أنقل ما ذكرته إذاعة سويسرا الرسمية والناطقة بالفرنسية، أن عائدات المواد الأولية لخزينة الدولة بالنسبة للبلدان الأفريقية هو 5 في المائة.
أما التدخل غير المباشر فله عدّة أوجه وأساليب، ونستطيع أن نوجزها في القروض و"المساعدات" والاتفاقات التي عادة ما تكون مجحفة ومذلّه لهذه البلدان.
وهناك التمويل الغربي للمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والتي تعدّ في مصر وحدها 36333 منظمة.
ودور هذه المنظمات هو نشر الأفكار الغربية وتهيئة الأرضية للمشاريع الغربية.
أما القواعد العسكرية فإنها أصبحت من المألوف كذلك، بل أصبحنا لا نرى على الفضائيات إلاّ الجيوش الأمريكية تصول وتجول في بلادنا.
فهل بعد هذا الوجود والتدخل نستطيع أن نتحدّث عن استقلال وسيادة؟ وكيف لا يستحي هؤلاء أشباه الحكّام وهم يتحدّثون عن السيادة؟ ويعدون النّاس بخطط صناعية وتنموية وإخراج البلاد من الفقر والاحتياج؟
وهل يُعقل أن تبقى بلداننا في هذه الحال منذ عقود وهي تعُجّ بالخيرات وبالطّاقات إن لم تكن تحت الاستعمار؟
ليس هذا هو الوضع الطّبيعي لِِِخير أُُمّة أُخرِجت للناس.
وهؤلاء الحكّام لا يمثّلونها ولا الإعلام ولا الوسط السياسي الحالي العفن.
وللتذكير، الغرب هو الذي سمّى عملية احتلاله لبلادنا استعمارا على أننا شعوب متخلفة لا نعرف طريق النهوض وأنه جاء لمساعدتنا، أي ليعمّر بلادنا، فهل جاء فعلا لهذا الغرض؟ وهل هو منظّمة خيرية؟
إن انتفاضة الشعوب هي خطوة أولى وبداية خير إن شاء الله، وهو تحرّك عفوي بلا قيادة وبلا هدف، يحتاج إلى المخلصين الواعين من الأمة في شكل أحزاب بمشروع مفصّل ومؤصّل للقيادة والترشيد والحثّ على الاستمرار في التّحرك نحو هدف واضح هو التحرر من قبضة الاستعمار وإحداث تغيير كلّي على طريقة الحبيب المصطفى الذي أحدث أوّل تغيير في الإسلام.
إن الأمة في حالة عسر وضنك وهوان بلا سيادة وبلا دولة، متعطّشة إلى استرجاع سيادتها، إلى استرجاع دولتها وإلى العيش بأحكام دينها، في أمسّ الحاجة إلى من يقودها وينير لها الطريق.
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ بنصر الله، ونصر الله مشروط بالتزام الفرد أو الحزب أو الدولة أحكام الإسلام.
وبالتالي على الأحزاب التي تتولّى القيادة للتغيير أن تلتزم الطريقة الشرعية في ذلك، طريقة الحبيب المصطفى الذي تفاعلت دعوته هو وحزبه مع من أسلم وجدّ هو في طلب النصرة حتى أُعطيت له في بيعة العقبة الثانية، وبعدها أقام أوّل دولة إسلامية في المدينة.
نسأل الله أن تعود الأحزاب إلى الطريقة الشرعية كي ينصرها الله ويمكنها مع الأمة من استرجاع سلطان المسلمين المسلوب.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أخوكم محمد بوعزيزي