الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مع الحديث الشريف خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى

بسم الله الرحمن الرحيم


نحييكم جميعاً أيها الأحبّة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


خير الصدقَة


روى البخارِي في صحيحه قال:


حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".


جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:


حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: "خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى" فَعَبْد اللَّه الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَادِ هُوَ اِبْنُ الْمُبَارَك، وَيُونُسُ هُوَ اِبْن يَزِيد. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَفْضَل الصَّدَقَة مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَالَ الْخَطَّابِيّ: لَفْظ الظَّهْر يَرِدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ، وَالْمَعْنَى أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْكِفَايَة، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمُرَادُ غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ. وَنَحْوُهُ قَوْلهمْ رَكِبَ مَتْن السَّلَامَة. وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ: "غِنًى" لِلتَّعْظِيمِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ خَيْر الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْت بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، وَقِيلَ: "عَنْ" لِلسَّبَبِيَّةِ وَالظَّهْر زَائِد، أَيْ: خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ سَبَبُها غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَال لَا يَصْبِرُونَ، وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَهُوَ مَكْرُوه.


وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي "الْمُفْهِمِ": يُرَدُّ عَلَى تَأْوِيل الْخَطَّابِيّ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْل الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ: "فَضْلُ الصَّدَقَة جُهْد مِنْ مُقِلّ" وَالْمُخْتَار أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّق مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُصُول مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَة الضَّرُورِيَّة كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْحَاجَة إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، وَمَا هَذَا سَبِيله، فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا أَوْ كَشْف عَوْرَتِهِ، فَمُرَاعَاة حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَال، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَل لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْر وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُض بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.


قَوْله: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)


فِيهِ تَقْدِيم نَفَقَة نَفْسه وَعِيَاله لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَة فِيهِ بِخِلَاف نَفَقَة غَيْرِهِمْ، وَسَيَأْتِي شَرْحه فِي النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


كما رسم الإسلام للفرد طرق الحصول على المال, وطرق تنميته, فقد بيّن طرق إنفاقه أيضاً ولم يتركه ينفق ماله على هواه, بل حدّد له كيفية التصرف بماله حال حياته وحتى بعد مماته.


فالرسول في هذا الحديث قد علّمنا أن المسلم ليس مطلق التصرف بماله بلا حدود بل عليه أن يراعي في نفقته ما يلي:


أولا - أن يبدأ بالنفقة على نفسه فليس من أحد آخر مسؤول عن النفقة عليه غير نفسه وهي الأحق في البدء بالنفقة عليها.


ثم ينفق على من يعول أي على من تجب نفقتهم عليه من زوجة وأبناء ووالدَيْن وإخوة وأخوات إن لم يكن لهم من ينفق عليهم غيره.


ثم ينفق على الغير, والإنفاق على الغير يشمل: الهبة والهدية والصدقة, وهذه يمكنه إمضاؤها في حال حياته بينما هناك الوصية والوقف ويتم تنفيذها بعد مماته.


ومن الجدير بالذكر أن الإنفاق االمقصود هنا مستمعينا الكرام هو بذل المال بلا عوض أما بذل المال بعوض فلا يسمى إنفاقاً, فالله تعالى يقول: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل ِاللهِ " البقرة 195 وقال: "وَمِمَّا رَزَقْنَاهُم يُنْقِفُون" البقرة 3 وقال: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ" الطلاق 7 .


وحديث اليوم يبيِّن كيف تدخَّل الإسلام في تصرف الفرد في إنفاقه لماله


فالصدقة وهي التي حث عليها الإسلام ووعد فاعلها بالثواب الجزيل .....مما حدا بالمسلمين أن يتسابقوا على فعلها طمعاً بهذا الثواب ...... حتى هذه الصدقة قد اشترط الإسلام على فاعلها شروطاً لا بد أن يحققها وإلا رُدَّت إليه صدقته ولم تقبل منه.


فمن شروط قبول الصدقة كما وردت في حديثنا: أن تكون عن ظهر غنى, أي أن لا تستغرق الصدقة كل ماله ولا حتى بعض ماله إن كان ما سيتبقى له لا يكفي لنفقته على نفسه وعلى من يعول بحيث يمكنه من الحصول على حاجاته الأساسية والكمالية كذلك التي تعتبر من الضروريات بالنسبة له حسب ما هو معروف بين الناس في بيئته.


فقد روى أبو داوود في سننه عن جابر بن عبد الله قال:


"كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ, خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى".


ولم يكتف الإسلام ببيان طرق الإنفاق الشرعية بل بيَّن الطرق غير الشرعية للإنفاق فقد منع الفرد من أن يهب أو يهدي أو يوصي وهو في مرض الموت, فإن فعل بأن وهب أو أهدى أو أوصى وهو في مرض الموت فإنه لا تُنفذ إلا في ثلث ماله, روى عمران بن حصين : "أنَّ رجلاً من الأنصار أعتق ستة أعبُد له في مرضه لا مال له غيرهم, فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم, فأعتق اثنين وأرق أربعة"، فإذا لم يسمح الرسول بتنفيذ تصرف ذلك الشخص بالعتق رغم حث الشرع عليه, فإن منع تصرف الفرد في غير العتق من باب أولى.


منع الفرد في حالة الحرب من أن يتصدق أو يهب أو يهدي للعدو ما يتقوى به على المسلمين.


منع الفرد من الإسراف في الإنفاق واعتبره سفهاً يوجب منع السفيه والمبذر من التصرف بأمواله بالحجر عليه وإقامة غيره وصيّاً عليه، يتولى عنه التصرف بأمواله لمصلحته قال تعالى: "وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا" النساء(5) في هذه الآية نهى الله تعالى عن إيتاء المال للسفهاء.


وقال أيضاً: "فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ" البقرة 282 وفي هذه الآية قد أوجب الله تعالى الولاية على السفيه.


والإسراف والتبذير الذي نهى عنه الشرع هو الإنفاق في ما نهى الله عنه


منع الإسلام الفرد من الترف واعتبره إثماً وأوعد المترفين بالعذاب قال تعالى: "وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ما أصْحَابُ الشِّمَالِ. فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ. إِنَّهُم كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ" الواقعة 42 أي بطرين يفعلون ما يشاؤون.


فالترف في اللغة البطر والغطرسة من التنعم.


فالترف المحرم هو البطر والغطرسة والتكبر بسب التنعم وليس هو مجرد التنعم.


لذا فإنه من الخطأ أن يفسَّر الترف بأنه: التمتع بالمال والتنعم برزق الله, يقول تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي اَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" الأعراف 32


فالتنعم والتمتع مستحباً وليس محظورا, لكن إن أدى إلى الغطرسة والبغي والتجبر صار ترفاً وحراماً.


منع الإسلام الفرد من التقتير على نفسه وحرمانها من المتاع المشروع: قال تعالى: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومَاً مَحْسُورَاً" الإسراء 29.


فإذا كان للفرد مالا وبخل به على نفسه يكون آثماً عند الله تعالى, أما إذا بخل به على من تجب عليه نفقتهم فإنه يكون آثماً عند الله, وفوق ذلك تجبره الدولة على الإنفاق عليهم بما يتناسب مع مستوى دخله, يقول تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ" الطلاق 7


ويقول ايضاً: "أَسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ" الطلاق 6


ومن يبخل على أهله ومن تجب عليه نفقتهم فإن لهم أن يأخذوا من ماله قدر كفايتهم بالمعروف, روى البخاري وأحمد عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت: "يا رسول الله, إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم, فقال عليه الصلاة والسلام: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".


فمن يبخل على أهله وعياله فإنَّ لهم أن يأخذوا ما يكفيهم منه دون علمه, وعلى القاضي أن يفرض لهم نفقة يجبره عليها جبراً.


ما كان الله غافلاً عن عباده, بعث لنا شريعة شاملة كاملة لم تترك شأناً في حياتنا إلا ورعته أحسن رعاية, فالحمد لله رب العالمين, وحيَّ على تطبيق هذا الدين.

 

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع