مع الحديث الشريف من قبح المجتمعات الرأسمالية
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ" رواه البخاري
جاء عند الإمام ابن حجر في فتحه بتصرف (( قَالَ اِبْن بَطَّال: وَالْمُعَاوَنَة فِي أُمُور الْآخِرَة وَكَذَا فِي الْأُمُور الْمُبَاحَة مِنْ الدُّنْيَا مَنْدُوب إِلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " وَاَللَّه فِي عَوْن الْعَبْد مَا دَامَ الْعَبْد فِي عَوْن أَخِيهِ ".
قَوْله ( ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعه ) هُوَ بَيَان لِوَجْهِ التَّشْبِيه، أَيْ يَشُدّ بَعْضهمْ بَعْضًا مِثْل هَذَا الشَّدّ, وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الَّذِي يُرِيد الْمُبَالَغَة فِي بَيَان أَقْوَاله يُمَثِّلهَا بِحَرَكَاتِهِ لِيَكُونَ أَوْقَع فِي نَفْس السَّامِع .
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلْتُؤْجَرُوا ) فيه عدة معان منها: قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَقَعَ فِي أَصْل مُسْلِم " اِشْفَعُوا تُؤْجَرُوا " بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَاب الْأَمْر الْمُضَمَّن مَعْنَى الشَّرْط، وَجَاءَ بِلَفْظِ " فَلْتُؤْجَرُوا" وَيَكُون مَعْنَى الْحَدِيث اِشْفَعُوا كَيْ تُؤْجَرُوا, وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون لَام الْأَمْر وَالْمَأْمُور بِهِ التَّعَرُّض لِلْأَجْرِ بِالشَّفَاعَةِ, فَكَأَنَّهُ قَالَ: اِشْفَعُوا فَتُعَرَّضُوا بِذَلِكَ لِلْأَجْرِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاء وَاللَّام زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ اِشْفَعُوا تُؤْجَرُوا صَحَّ أَيْ إِذَا عَرَضَ الْمُحْتَاج حَاجَته عَلَيَّ فَاشْفَعُوا لَهُ إِلَيَّ فَإِنَّكُمْ إِنْ شَفَعْتُمْ حَصَلَ لَكُمْ الْأَجْر سَوَاء قَبِلْت شَفَاعَتكُمْ أَمْ لَا, وَيُجْرِي اللَّه عَلَى لِسَان نَبِيّه مَا شَاءَ أَيْ مِنْ مُوجِبَات قَضَاء الْحَاجَة أَوْ عَدَمهَا, أَيْ إِنْ قَضَيْتهَا أَوْ لَمْ أَقْضِهَا فَهُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّه تَعَالَى وَقَضَائِهِ . ))
إن من طبيعة المجتمعات الرأسمالية والتي تسود اليوم فردية نفعية, فالسعي مثلاً لنيل أكبر قسط من المتع هو الدافع الذي يدفع كل من اعتقد هذا المبدأ حتى يحقق أهدافه بغض النظر أتوافقت أهدافه مع أهداف غيره أم تعارضت وتضاربت فلا يهم التوافق والاختلاف بل المهم هو تحقيقها من قبله, ويظهر هذا بوضوح حين تتعارض وتتضارب المصالح وتختلف الأهواء مما ينعكس سلباً على المجتمع الرأسمالي فالانسجام في المجتمع الرأسمالي هو انسجام مصالح آنية سرعان ما يحصل الاختلاف عليها بل ويرجع المجتمع إلى الاصطدام والتنافر والتناحر, فالسمة الظاهرةُ داخل المجتمع الرأسمالي هي القوةُ والنفوذ فإن النظام يصبح في خدمته بغض النظر عن الظلم الذي يقع على الآخرين فنظرةُ السادةِ للعبيد هي الموجودة من قبل أصحاب القوةِ والنفوذ لغيرهم داخل نفس المجتمع مما يؤدي إلى ظهور الفرق الشاسع الواسع بين الناس وانقسامهم إلى أغنياء وفقراء.
إن مفهوم الشفاعة والرحمة مفقود داخل المجتمع الرأسمالي لأنه قام على أساس المصلحة والمنفعة فتظهر مفاهيم المصالح المتبادلة فالحب والكره تخضع لمعادلة المصالح المتبادلة كما تخضع علاقة الأجير برب العمل لأن الذي حدد العلاقة في الحالتين هي المصلحة, وكذلك الصدق والكذب والوفاء والفجور والحسنُ والقبح, فلا توجد داخل هذا المجتمع حرمة لأحد بل توجد مصالح. فالصورة البشعة للنظام الرأسمالي قد تسربت إلى بلاد المسلمين حين طَبَقَ عليهم الكافر نظامه الاقتصادي فعلياً بأن أخضع العلاقات بين الناس للمصلحة فأصبح النظام الحاكم في بلاد المسلمين لا ينظر إلى الناس على أنهم رعية واجبة الرعاية وإنما ينظر إليهم على أنهم أفراد معادون لهذا النظام بل ويعمل كل ما في وسعه حتى يفرق ما اجتمع منهم, حتى يمكنه قهرهم والسيطرة عليهم, فالقوة الموجودة عند النظام موجهة لإخضاع الجمهور وليس للدفاع عنه وأكثر القتل في الناس يحصل من النظام وهذا ما يؤدي للقول بأنه لا حرمة للمسلمين في بلادهم. بل إن المسلمين داخل المجتمعات الرأسمالية الغربيةِ أيضاً لا حرمة لهم فالمسلمون في فرنسا وبريطانيا وأمريكا يعاملون ضمن قانون الأقليات الذي لا يمكنهم من ممارسةِ شعائر دينهم أو يحفظ لهم حرماتهم أو حريتهم الشخصية كما يقولون عن نظامهم الديمقراطي والحجاب دليل وغيره الكثير.