شرح المادة 137 من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام الحلقة الثانية عشرة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نص المادة 137:
تتحقق الملكية العامة في ثلاثة أشياء هي:-
(أ) كل ما هو من مرافق الجماعة كساحات البلدة .
(ب) المعادن التي لا تنقطع كمنابع البترول.
(ج) الأشياء التي طبيعتها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالأنهار .
عُرفت الملكية العامة بأنها إذن الشارع للجماعة بالاشتراك بالعين, والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم, ومنع من أن يحوزها الفرد وحده, وقد بين أن تحقيقها يكون بهذه الأشياء الثلاثة المذكورة في المادة ليس غير، والدليل على ذلك, فإنه بالاستقراء, فقد جرى استقراء الأدلة التي تدل على الملكية العامة فوجد أنها محصورة في هذه الأنواع الثلاثة وبها يظهر الدليل على هذه المادة.
فدليل الفقرة( أ ) من المادة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يُمنع الماء والنار والكلأ))، وهذا الحديث فيه التعليل بأن منعها إنما هو من أجل الجماعة لأنها من المرافق الهامة لهم, فالرسول صلى الله عليه وسلم أباح ملكية الماء في الطائف وخيبر للأفراد, وامتلكوه بالفعل, لسقي زرعهم وبساتينهم دون غيرهم, فلو كانت الشركة بالماء مطلقا, لما سمح للأفراد أن يمتلكوه, فمن هذا الحديث ((الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ و النار))، ومن إباحته صلى الله عليه وسلم للأفراد أن يتملكوا الماء, تستنبط علة الشراكة في الماء والكلأ والنار, وهي كونها من مرافق الجماعة التي لا تستغني عنها, فكل ما يتحقق فيه كونه من مرافق الجماعة كساحات البلدة وأحراش الاحتطاب, ومراعي الماشية, فإنه يكون ملكية عامة, هذه هي أدلة الملكية العامة.
أما الفقرة (ب) فإنها تبين أن المعادن على حالين, إما أنها لا تنقطع أي غير محدودة المقدار كأن تكون كمية كبيرة كالبترول في الجزيرة العربية, فإنه يقدر بمليارات وحدات القياس, وكذلك الفوسفات في الأردن والمغرب, والغاز في قطر, وجميع المعادن التي تزخر بها بلاد المسلمين في شتى بلدانهم, فهذه لا يجوز أن يتملكها الأفراد وهي ملكية عامة, وأما المعادن التي تكون محدودة المقدار فيجوز للفرد أن يتملكها وتدخل في الملكية الفردية, والدليل على هذه الفقرة, ما روي عن عمرو بن قيس المأربي قال: (( استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب, فأقطعنيه، فقيل يا رسول الله: إنه بمنزلة الماء العد يعني أنه لا ينقطع , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذن لا ))، والماء العد هو الماء الذي لا ينقطع, فالرسول صلى الله عليه وسلم شبه معدن الملح بالماء الذي لا ينقطع, ولا يقال هنا أنه الملح هو المراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل المراد المعادن بشتى أنواعها والتي تحتوي كميات كبيرة, فيطلق عليها معدنٌ عِد.
ومن إقطاع الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرو بن قيس المأربي أول الأمر يتبين من فعل الرسول هذا أنه جائز أن يقطع الأفراد المعادن التي لا تكون عداً، أي محدودة المقدار, بدليل ما قاله أبو عبيد: (( فلما تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ماءٌ عد إرتجعه منه, لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلأ والماء والنار أن الناس جميعا فيه شركاء, فكرة أن يجعله لرجل يحوزه دون سواه))،
وعلى هذا فكل معدن من المعادن التي لا تنقطع أي غير محدودة المقدار بكمية قليلة, فإنه ملكية عامة.
أما الفقرة (ج) فهي تتعلق بالأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها, فهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة, وهي وإن كانت تدخل في الفقرة ( أ ) لأنها من مرافق الجماعة, ولكنها تختلف عنها من حيث أن طبيعتها أنه لا يتأتى أن يمتلكها الأفراد, فعين الماء يمكن أن يملكها الفرد, ولكنه يمنع من ملكيتها إذا كانت الجماعة لا تستغني عنها, بخلاف الطريق فإنه لا يمكن أن يملكها الفرد.
لهذا فإن واقع الأشياء هو الذي يجعلها ملكية عامة, مثل الأنهار والبحار والبحيرات والأقنية العامة والخلجان والمضائق والطرق ونحوها ويلحق بها المساجد ومدارس الدولة ومستشفياتها والملاعب والحدائق العامة والملاجئ وغيرها.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو الصادق