خبر وتعليق هذه دول جباية وليست دول رعاية
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
نقلت بوابة الوفد بتاريخ 19 شباط/فبراير 2015م تصريحا للدكتور مصطفى عبد القادر رئيس مصلحة الضرائب قال فيه: "إنه لن يكون هناك تنمية اقتصادية من دون عدالة اجتماعية". لافتًا إلى أنه إذا لم تحدث عدالة اجتماعية في مصر في القريب العاجل فستقوم الثورة الثالثة. وأضاف عبد القادر، في إطار الكلمة التي ألقاها بمؤتمر "تنمية وإدارة محور قناة السويس" المنعقد بكلية التجارة بجامعة عين شمس، أننا لا نستطيع الإنكار بأن هناك علاقة بين النظام الضريبي والاستثمار، مؤكدا أن هناك تهربًا من الضرائب من بعض المستثمرين، فإن حصيلة الضرائب 8% بعيدًا عن الإجراءات السيادية، بالإضافة إلى 14% بها، وهذه نسبة ضئيلة جدًا. وأشار عبد القادر إلى أن النظام الضريبي في مصر يجعل المصريين مضطرين إلى التهرب من دفع الضرائب؛ لذلك لا بد من إصلاح ضريبي حقيقي حتى يتم عدم التهرب منه، بالإضافة إلى أن يكون هناك نظرة جديدة للحياة الضريبية من قبل المواطنين، مشيرًا إلى أننا إذا انتظرنا التغيير من الحكومة، فسننتظر كثيرًا مهما كانت كفاءة قادتها.
التعليق:
لا غرابة أن يدور كل المسؤولين في حلقة مفرغة، فمهما كانت خبرتهم عظيمة في اختصاصاتهم، فالمعالجات التي ينشدونها، ما دامت غير منبثقة من عقيدة الأمة، فسيكون التزام الناس بتلك المعالجات عن غير طواعية ورضا، والدليل على ذلك اضطرار المصريين إلى التهرب من دفع الضرائب، حيث إنَّ ما يفرض عليهم من ضرائب مباشرة وغير مباشرة، كالضريبة على المبيعات، هو في الحقيقة على ثمرة عملهم من أجل تحصيل احتياجاتهم الأساسية وبعض الكماليات، والأصل إن فرضت ضرائب أن تفرض فقط، على أولئك الذين لديهم فائض من الثروة، ولمرة واحدة فقط؛ وذلك إن اقتضت الحاجة حسب أحكام الشرع.
فأحكام النظام الاقتصادي المنبثقة من العقيدة الإسلامية لا يوجد فيها ضرائب تؤخذ من الناس، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يدير شؤون الرعية، ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه فرض ضريبة على الناس ولم يُروَ عنه ذلك مطلقاً، وحين علم أن من على حدود الدولة يأخذون ضرائب على البضائع التي تدخل البلاد نهى عن ذلك.
فقد رُوي عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ». وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضرائب على التجارة... وهذا يدل على النهي عن أخذ الضرائب بالمعنى الذي اصطلح عليه الغرب في نظامه الرأسمالي الذي يطبق في مصر حاليا. على أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث المتفق عليه من طريق أبي بكرة: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا...» وهو عام يشمل كل إنسان ومنها الدولة، وأخذ الضرائب أخذ لمال المسلم من غير طيب نفسه مما يدل على عدم جواز أخذها.
ومع حرص الإسلام على صيانة حرمة الملكية الفردية بتحريم غصبِها، غير أنّ هناك حالات معينة حددها الشرع ويجيز فيها أخذ مال بقدرها دون زيادة، ففي هذه الحالات فقط يؤخذ المال بقدر سد الحاجة دون زيادة من فائض أموال الأغنياء، والقول من الفائض، أي ما زاد على مأكل الغني وملبسه ومسكنه وخادمه وزواجه وما يركبه لقضاء حاجاته وما شاكل ذلك حسب أمثاله لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾، أي ما ليس في إنفاقه جهد، بمعنى الزائد عن كفايته حسب المعروف لمثله. وهذا يعني أنّ الضرائب في الإسلام تساهم في تداول الثروة بدلا من تركزها. فمثلاً سد الحاجات الأساسية للفقراء من مأكل ومسكن وملبس، فهذا واجب على الدولة من بيت المال، وكذلك واجب على المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: «وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى»، فإذا لم يكف ما في بيت المال لسد حاجة الفقراء الأساسية فيؤخذ من أغنياء المسلمين لسد هذه الحاجة بقدرها دون زيادة.
لقد جاء في الدستور الذي أعده حزب التحرير في المادة رقم 146 "تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المال، على شرط أن يكون استيفاؤها مما يزيد على الحاجات التي يجب توفيرها لصاحب المال بالمعروف، وأن يراعى فيها كفايتها لسد حاجات الدولة". وفي المادة رقم 147 "كل ما أوجب الشرع على الأمة القيام به من الأعمال وليس في بيت المال مال للقيام به فإن وجوبه ينتقل على الأمة، وللدولة حينئذ الحق في أن تحصله من الأمة بفرض الضريبة عليها. وما لم يجب على الأمة شرعاً القيام به لا يجوز للدولة أن تفرض أي ضريبة من أجله، فلا يجوز أن تأخذ رسوماً للمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي مصلحة".
ويتضح مما سبق أن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي سيبزغ نورها قريبا بإذن الله، هي دولة رعايةٍ لشؤونِ مَن هم في كنفها من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، وهي على النقيض تماما من دولة الجباية، المنبثقة عن عقيدة فصل الدين عن الحياة، والتي جعلت معظم الناس في مصر يعانون الفقر والمرض والبطالة والأمية...
وها قد بدأ أهل الكنانة يتلمسون الأسباب الحقيقية لما هم عليه من ضنك العيش، وبدأوا يربطون تلك الأسباب ببعد من يتولون أمورهم عن أحكام شريعتهم التي يؤمنون بها ولا ينقصهم إلا الالتحاق بركب حملة الدعوة من شباب حزب التحرير الذي يصل ليله بنهاره لإعادة بناء سفينة النجاة، خلافة على منهاج النبوة.
﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
جمال علي - مصر