- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجاب فريضة من رب العالمين ولا يغير في ذلك دعوات المتآمرين ولا آمانيهم
كانت مصر ولا تزال صاحبة مركز مهم في المنطقة، ولها ثِقلها السياسي المؤثر ما يجعلها قبة الميزان، وموضع الحسم بين فسطاط أمريكا ومن لفَّ لفيفها وسار يدعو لحضارتها، وبين فسطاط المسلمين وفيه الدَّاعون من أبناء الأمة لتطبيق الشريعة الإسلامية. فمصر بيضة القبان، ولها بين المسلمين مكانة عظيمة. لهذا تتالت عليها هجمات المستعمرين كما اشتدت على أخواتها الشام والعراق وغيرها. فمنذ ما قبل هدم دولة الخلافة العثمانية وقعت مصر في الأسر البريطاني، وعاث فيها المستعمر الإنجليزي فسادًا بل وراح يسعى فيها - وقد أيقن استحالة بقائه فيها -، لنشر ثقافته وتغريب الإسلام فيها، استغلَّ بذلك كل جهوده من حملات المبشرين كاللورد كرومر وغيره، والمضبوعين به من أبناء المسلمين كقاسم أمين وسعد زغلول الذي تحت شعار محاربة الإنجليز والثورة ضدهم استطاع إدخال المفاهيم التغريبية لمصر، وحادثة خلعه للنقاب عن وجه هدى شعراوي، ومن ثم خلع زوجته صفية زغلول نقابها وإشعالهن النار فيه داعيات لتحرير المرأة حسب زعمهن، عام 1919 مشهورة معروفة. وما تسمية ميدان التحرير وسط القاهرة إلا لهذه الحادثة التي تبعتها الهجمات على الحجاب "غطاء الرأس" واللباس الشرعي للمرأة، ومن ثم أحكام النظام الاجتماعي كلها.
سُميَّ الميدان بالتحرير: ودُعي فيه لمجاهرة الله بالمعصية والتنكر لتشريعه سبحانه، وبدأت الحركة النسوية بمصر عام 1920 نشاطها وكانت هدى شعراوي أول مسلمة تشارك فيها، وهي التي تهاجم الحجاب وترى فيه تخلفًا وظلمًا للمرأة!
وبعد 90 عامًا قامت الثورة المصرية على نظام مبارك: النظام الذي أنجبه الاستعمار وكرَّسه لخدمة مصالحه - وإن اختلف الولاء من بريطانيا لأمريكا أو العكس - وسلَّطه على رقاب أهل مصر نارًا وسُعارًا؛ انتفض الشعب وأعلن في التحرير تجمُّعه بالملايين، صارخًا بكل قوة وتحدٍ كسر حاجز الخوف من السلطات: ارحل. وخُلع مبارك. فصار التحرير رمز تحرر من الظلم والبلطجة السياسية، وتحررًا من خوف العبيد للخوف من الله الواحد القهار، ولو أن النظام ذاته لا زال قابعًا يجثم على صدور أهل مصر، يطبق عليهم النظم الغربية ويسير على نهجها في محاربة الإسلام، ويفتح المجال تحت ستار الحريات لمهاجمة الإسلام وأحكامه، فصار التهجم على الحجاب طريقًا للشهرة في مصر كما يحدث في فرنسا وهولندا وغيرها.
بل إن رأس النظام ذاته يخرج مصرحًا بكل وقاحة بضرورة تغيير الخطاب الديني بقوله خلال حواره مع "إذاعة القرآن الكريم" المصرية، في ذكرى تأسيسها الـ51، الأربعاء 25 آذار/مارس: "إن مصر بحاجة إلى ثورة دينية ضد الأفكار المشوشة والمغلوطة عن الدين الإسلامي". وهذا ما شجَّع العلمانيين لإبراز أنيابهم - مع أنها برزت من قبل - والتصريح بدعواتهم فتيات مصر لخلع الحجاب كما حدث مع شريف الشوباشي، أحد الكتاب العلمانيين، في تدوينة له بموقع فيسبوك في السادس من الشهر الجاري، أن تخلع فتيات الحجاب خلال مظاهرة بميدان التحرير على أن يحضر رجال خلال الفعالية لحماية الفتيات. ما حدا بالأزهر أن يرد عليه مستنكرًا الفكرة من باب أنها "تدخل سافر واعتداء صارخ على حرية وكرامة الإنسان" كما جاء على لسان عباس شومان وكيل الأزهر. وردود أخرى تهاجم الدعوة لكونها تتعارض مع الحرية الشخصية!
وتبع ذلك أخذ ورَدٌّ، خاصة من الجمعيات النسوية والعلمانيين الذين فُتح لهم المجال بشكل قوي لإظهار إسفافهم. حيث صرَّحت هدى بدران، رئيس الاتحاد العام لنساء مصر ل "الوطن " بقولها: "إن دعوة الشوباشي لخلع الحجاب "صحوة سياسية للمرأة المصرية"، و"صفعة" على وجه "الإخوان" والدعوات السلفية." وتتابع بدران بقولها "أن جماعات الإسلام السياسي منذ انتشارها في فترة السبعينات والثمانينات، وهي تحاول تغيير مفاهيم الهوية الثقافية للمجتمع المصري، كي يتلاءم مع حلم "دولة الخلافة"، الذي بدأوه بفرض الحجاب على المرأة المصرية، وانتشار بعض الشعارات، مثل "أختي المسلمة" و"الحجاب فريضة".
تظهر أنياب العلمانيين بقوة، يهاجمون الخلافة والدَّاعين لها تارة، ويروجون للمساواة والحرية الشخصية تارةً أخرى، ثم ما يلبثون يهاجمون الحجاب تحت مسمى الحريات.
لكنَّ الظاهر أن أمريكا ومشروعها في علمنة مصر وإفشال مشروع الإسلام السياسي فيها عبر الانقلاب العسكري وأعماله الدمويَّة العنيفة تجاه الشارع المصري الذي ظهر عليه حب الإسلام ورغبته في تطبيقه، فشل فشلًا ذريعًا ما أرَّق العلمانيين وأقضَّ مضاجعهم فتوالت هجماتهم وكثر لغطهم عن الحجاب والخلافة والإسلام السياسي.
ويبدو أنَّ الجمعيات النسوية التي تدَّعي الحرص على المرأة نسيت أن المرأة المصرية المسلمة هي التي هتفت في ثورة 25 ضد النظام الجبري، وهي التي خرجت في مليونيات تأييد تطبيق الشريعة وهي التي استشهدت وسُجنت لأجل إسلامها ومطالبتها بتطبيقه، هي التي بحجابها خرجت للتحرير تهتف مع الرجل بصوت واحد ضد الظلم.
نسيت بدران وأمثالها أن المسلمة متمسكة بحجابها لأنه فرض من رب العالمين جاء به محمد r بقرآن يُتلى إلى يوم الدين ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31] وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]. فريضة من الله تلتزم بها المسلمة خضوعًا لله لا لأجل مصالح سياسية وليس تنفيذًا لأجندة الوهابيين ولا الإخوان.
إن هجمتهم هذه ليست لأجل تحرير المسلمة ولا حرصًا عليها، فلو كانوا صادقين في حرصهم على المرأة لما سكتوا عن قمع الكنيسة للمسلمات حين يُسلمن. ثم لماذا لا نراهم مثلًا يدعون الراهبات من النصارى أو المتدينات من اليهود لخلع حجابهن والتحرر منه؟ أم أنَّهم لا يجرؤون؟
إن تجرؤهم هذا على المسلمات وحجابهن، وعلى الإسلام وأحكامه، ما كان ليكون لولا غياب دولة الإسلام التي تطبقه حق التطبيق، وترعى حرمته، وتحفظ هيبته وتمنع كلَّ ساخر أو ماكر أو متطاول.
سعد زغلول وزوجته وشعراوي ماتوا وبقي التحرير شاهدًا على صدق مصر وأهلها وحبهم للإسلام، وبقي الحجاب وسيبقى فريضةً من الله، وستبقى المسلمات متمسكات به رغم الناعقين والظلاميين المضبوعين بالحضارة الغربية الزائفة. والإسلام دين الله الحق سيبقى كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فشريعته الناسخة لما قبلها المحفوظة إلى قيام الساعة من التحريف، ولا يحتاج المسلمون لمارتن لوثر ليجدد لهم إسلامهم!
﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: بيان جمال