مع الحديث الشريف- الحرص على أداء الفرائض
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي. رواه البخاري
جاء عند الإمام ابن حجر في فتحه بتصرف يسير " قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( خَمِيصَة ), كِسَاء مُرَبَّع لَهُ عَلَمَانِ, وَالْأَنْبِجَانِيَّة كِسَاء غَلِيظ لَا عَلَم لَهُ, وَقَالَ ثَعْلَب : يُقَال كَبْش أَنْبِجَانِيّ إِذَا كَانَ مُلْتَفًّا , كَثِير الصُّوف . وقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِلَى أَبِي جَهْم ) هُوَ عُبَيْد اللَّه - وَيُقَال عَامِر- بْن حُذَيْفَة الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيِّ صَحَابِيّ مَشْهُور, وَإِنَّمَا خَصَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْسَالِ الْخَمِيصَة; لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " أَهْدَى أَبُو جَهْم بْن حُذَيْفَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَة لَهَا عَلَم فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاة, فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ : رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَة إِلَى أَبِي جَهْم " قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا غَيْرهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ هَدِيَّته اِسْتِخْفَافًا بِهِ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلْهَتْنِي) أَيْ شَغَلَتْنِي.
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آنِفًا) أَيْ قَرِيبًا.
قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَنْ صَلَاتِي) أَيْ عَنْ كَمَالِ الْحُضُور فِيهَا, كَذَا قِيلَ, وَالطَّرِيق الْآتِيَة الْمُعَلَّقَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَع لَهُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَشِيَ أَنْ يَقَع لِقَوْلِهِ " فَأَخَاف".
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : فِيهِ مُبَادَرَة الرَّسُول إِلَى مَصَالِح الصَّلَاة, وَنَفْي مَا لَعَلَّهُ يَخْدِش فِيهَا. وَأَمَّا بَعْثه بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْم فَلَا يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلهَا فِي الصَّلَاة. وَيُسْتَنْبَط مِنْهُ كَرَاهِيَة كُلّ مَا يَشْغَل عَنْ الصَّلَاة مِنْ الْأَصْبَاغ وَالنُّقُوش وَنَحْوهَا. وَفِيهِ قَبُول الْهَدِيَّة مِنْ الْأَصْحَاب وَالْإِرْسَال إِلَيْهِمْ وَالطَّلَب مِنْهُمْ. "
مستمعينا الكرام: الفرائضُ كثيرةٌ، ومنها الصلواتُ الخمسُ فلْنحرصْ على أدائِها كلٍّ في وقتِها، قال تعالى: )وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (وقد حذّرَ الشرعُ مِنَ التّهاوُنِ في أمرِها حيثُ قال عليه وعلى آله الصلاةُ والسلام "مَن هانَتْ عليه صلاتُه، كان على اللهِ عزَّ وجلَّ أهون" وممّا يُنْسَبُ إلى عمرَ بنِ عبدِ العزيز رحمه اللهُ قولُه " فإنّه مَن يضيِّعْ الصلاةَ فهو لِما سِواها من شرائعِ الإسلامِ أشدُّ تضييعا" وذلك يعني أنّ من يفرِّطُ في أمرِ الصلاةِ فلا يكونُ أميناً صادقاً في حملِ الدعوةِ والانتسابِ إلى الإسلام.
وطَلَبُ المحافظةِ على الصلاةِ لا يقتصرُ عليه، فقد طلبَ سبحانه وتعالى أنْ يأمُرَ الرسولُ أهلَهُ بالصلاةِ ويصبِرَ على مشاقِّها حيث قال: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )، وقد حث الشرعُ على صلاةِ الجماعةِ وحذّرَ من ترْكِها وقد سمعَ النداء، قال عليه وعلى آله الصلاةُ والسلام: " الجفاءُ كلُّ الجفاءِ والكفرُ والنفاقُ على من سمعَ مُناديَ اللهِ ينادى يدعوهُ إلى الفلاحِ ولا يُجيبُه" وأخرج الحاكمُ في مُستدْرَكِهِ عن ابنِ عباسٍ قال: قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلّم:" ثلاثةٌ لعَنَهُمُ اللهُ: مَن تقدّمَ قوماً وهم له كارهون، وامرأةٌ باتَتْ وزوجُها عليها ساخط، ورجلٌ سمعَ حيَّ على الصلاةِ حيّ على الفلاحِ ثمّ لم يُجِبْ " وقد أمَرَ أبو بكرٍ الصدّيقُ رضي الله عنه ولَدَهُ عبدَ اللهِ أنْ يطلِّقَ زوجَتَهُ عاتكةَ بنتَ زيدٍ بعد أن شغَلَتْهُ عن صلاةِ الجماعةِ فانْصاعَ لأمرِ أبيهِ رضي الله عنهما.
وينبغي الخشوعُ في الصلاةِ والتّفهُّمُ لمعنى الكلامِ ويكونُ ذلك بِقَطْعِ الخواطرِ عن كلِّ ما يُشغِلُ السّمعَ والبصرَ وذلك بالقُربِ من القِبلةِ والنظرِ إلى موضعِ السجودِ والاحترازِ من المواضعِ المنقوشةِ وأنْ لا يَتْرُكَ عندَه ما يُشغِلُ حِسَّهُ فإنّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمّا صلّى في انْبجانِيّةٍ لها أعلامٌ نَزَعَها وقال: "إنها ألْهَتْنِي آنِفاً عن صلاتي " وعلى مَنْ يريدُ الصلاةَ أن يقْضِيَ أشغالَهُ قبل الصلاةِ ويَذكُرَ الآخرةَ وخَطَرَ القيامِ بين يديْ اللهِ عزّ وجلَّ وهولَ المَطلَعِ وأن يكونَ راجياً بِصَلاتِهِ الثّوابَ كما يخافُ من تقصيرِهِ العِقاب.
وهذه صُوَرٌ من صلاةِ السّلَفِ الصالحِ رحمهم اللهُ جميعا: عن محمدِ بنِ أبي حاتِمٍ الورّاقِ قال: دُعِيَ مُحمّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ إلى بُستانِ بعضِ أصحابِه، فلمّا حضرتْ صلاةُ الظُّهرِ صلّى القومُ، ثم قام للتطوّعِ فأطالَ القيام، فلمّا فرَغَ من صلاتِهِ رفعَ ذيْلَ قميصِهِ فإذا زُنْبورٌ قد أَبَرَهُ في ستَّةَ عَشَرَ موضِعا، وقد تورّمَ من ذلك الجسدُ وكانتْ آثارُ الزُّنبورِ في جسدِهِ ظاهرةً، فقال له بعضُهُمْ كيف لم تخرجْ من الصلاةِ في أوّلِ ما أَبَّرَك؟ فقال: كنتُ في سورةٍ فأحببتُ أن أُتِمَّها.
قال عمرُ بنُ عبدِ العزيز يوماً لابنِ أبي ملكيّة: صِفْ لنا عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ فقال: واللهِ ما رأيتُ نَفْساً رَكِبَتْ بين جَنْبَيْنِ مثلَ نَفْسِه، ولقد كان يدخلُ في الصلاةِ فيخرُجُ مِنْ كلِّ شيءٍ إليها، وكان يركعُ أو يسجُدُ فتقفُ العصافيرُ فوقَ ظهرِهِ وكاهلِهِ، لا تحسَبُهُ من طولِ ركوعِهِ وسجودِهِ إلا جِداراً أو ثوباً مطروحا، ولقدْ مرّتْ قذيفةُ مَنْجَنِيقٍ بين لِحْيَتِهِ وصدرِهِ وهو يصلي، فواللهِ ما أحَسَّ بها، ولا اهتزَّ لها، ولا قَطَعَ مِنْ أجلِها قراءَتَهُ ولا تعجَّلَ ركوعُه.