رسالة إلى المسلمين في العالم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلم يعد خافيًا على أحدٍ من الناس اليوم ما يعيشه المسلمون من ذلةٍ ومهانة، وما يحيط بهم من ظروف صعبة، وأحوال مريرة، تتمثل في كيد الأعداء وتسلطهم على بلاد المسلمين، كما تتمثل في أحوال المسلمين أنفسهم، وما طرأ على مجتمعاتهم من بُعْدٍ عن تعاليم الإسلام، وإقصاء لشريعة الله سبحانه، ورفض الحكم بها والتحاكم إليها.
وما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من محنة عصيبة وخطر داهم من قبل أعداء الدين والمسلمين بقيادة طاغوت العصر المتغطرس أمريكا وحلفائها، والذين رموا الأمة المسلمة عن قوس واحدة يريدون بها الشر ومزيداً من التفتت والتفرق والنيل من دينها وأبنائها وثرواتها وتغريبها وإقصاء ما بقي فيها من شرائع الدين وشعائره، وهذا تأويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن تتداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ. قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
لقد اقتضت حكمة الله - عز وجل -أن يوجد الصراع بين الحق والباطل على هذه الأرض منذ أن أُهبط آدم -عليه السلام- وإبليس اللعين إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، وقد جعل الله - عز وجل - لهذا الصراع والمدافعة سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل (( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)) (فاطر: من الآية43).
ولا تظهر هذه السنن إلا لمن تدبر كتاب الله - عز وجل - واهتدى بنوره وهداه (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (صّ: 29) .
وما أصدق ما قاله ابن القيم -رحمه الله تعالى- على واقعنا اليوم وهو يصف زمانه ، فكيف لو رأى زماننا ؟ !!.
قال - رحمه الله تعالى- : ( لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربى عليها الصغير، وهرم عليها الكبير. فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الغلبة لهذه الأمور. اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [الفوائد ص 49].
يا أمة الإسلام:
الغاية من الخلق والوجود عبادة الله سبحانه وتعالى كما أمر حيث قال جل من قائل "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ومن مقتضيات هذه العبادة أن يحكم شرع الله سبحانه وتعالى في مناحي الحياة كلها ولا يمكن هذا إلا بإعادة سلطان الإسلام ودولته إلى واقع الحياة، قال الله عز وجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) النساء :60 .
يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية ( هذه الآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواها من الباطل وهو المراد بالطاغوت هاهنا ) .
ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين: ( من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه ).
ويقول الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان : ( وكل تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت ).
أيها المسلمون:
هلموا إلى نصرة دينكم وإعادة تحكيم شرع ربكم بالعمل مع العاملين المخلصين لنصرة هذا الدين واستئناف الحياة الإسلامية وعلى منهاج النبوة طريقة الرسول الكريم عليه من ربنا أفضل الصلاة والتسليم.
أسأل الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك أن يشرفنا بنصرة دينه، وإعلاءِ كلمته وأن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو خليل