كيف نبني- ح2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاةُ والسلامُ على رسولِه الصادقِ الأمينِ ،
تحيةٌ عطرةٌ إخوتي الكرام وأخواتي الكريمات في كلِّ مكانٍ. فالسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاتُه .
كما أسلفنا - ايها الحضورُ الكرامِ - في الحلقةِ الأولى من موضوعِنا" كيف نبني وكيف نهدم " فإنّ هدمَ المفاهيمِ الفاسدةِ. وبناءَ المفاهيمِ الصحيحةِ يبدأُ منذُ الصغر، فالشخصيةُ الإسلاميةُ يحتاجُ صقلُها لجهودٍ كبيرةٍ ولمدةٍ قد تمتدُّ بطولِ عمرِ الإنسانِ، فكل يومٍ يمرُّ على الإنسانِ يتعلمُ شيئاً جديداً ، ولذلك يجبُ علينا التركيزُ على طريقةِ التفكيرِ، لأن الأفكارَ والمفاهيمَ تؤثرُ في سلوك الانسانِ. والناظرُ إلى حالِ المسلمينَ اليوم يستعجبُ من أمرِهم ! فاليومَ نجدُ الشخصياتِ من حولِنا قد أصبحت شخصياتٍ مترددةً في اتخاذِ المواقفِ، حائرةً متخبطةً ذات اليمينِ وذاتِ الشمال. ، فالكلُّ يشتكي من الإنتهازيةِ ومنِ التبلُّدِ ومن الجمودِ في المعاملاتِ، أو معاملات على غير أساسٍ ثابتٍ. سادتِ المجتمعاتِ الأنانيةُ والفرديةُ وغابَ التقوى من نفوسِ المسلمينَ، فاصبحت الغلبةُ للسلوكِ غيرِ المستقيمِ، فكثُرَ الكَذِبُ وأصبحَ التعاملُ على اساسٍ ماديٍّ. فمن له عندكَ مصلحةٌ ما، يصبحُ لك طائعاً، واما إذا قضى منكَ حاجتَه، فسرعانَ ما ينصرفُ ويغيّرُ معاملتَه ليساومَ بمصالحَ أكبر. فماذا جرى للمسلمينَ ؟
إن علاجَ مسألةِ التردد والتخبط، وتبديلِ المواقفِ، هو ببناءِ شخصيةٍ إسلاميةٍ ثابتةٍ على مواقفِها لا تتبدلُ ولا تتزحزحُ وذلك يحتاجُ الى العقيدة، ]يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[ (27 سورة ابراهيم)، فمن يجعلُ الإسلامَ أساساً في تفكيرِه وعلاقتِه وأحكامِه وسلوكِه ومواقفِه، تجده ثابتاً كالطودَ، لأن حكمَ الله لا يتغير. فيضيفُ المرءُ قوةً على قوتِه، يهابُه الأعداءُ ويحترمُه الأصدقاءُ.
طبعاً، للسطحيةِ في التفكيرِ تأثيرٌ بالغٌ في نوعيةِ الشخصيةِ، فمثلاً من يتدبّرُ ويُحللُ ويبحثُ بحثاً عميقاً فيما حولَه، متخذاً معلوماتِه من مصادرَ موثوقٍ بها (القرآنِ الكريمِ والسنةِ الشريفةِ)، ومن علماءَ مخلصينَ لهذا الدينِ العظيمِ، يبني مواقِفَه على أساسِ العقيدةِ الإسلاميةِ، ستكون أفكارُه ومشاعرُه صحيحةً. ثم تكونُ تصرفاتُه قويمةً. أما من يأخذُ فقط المعلومةَ الظاهرةَ بدونِ البحثِ في تفاصيلِ هذه المعلومةِ والإحاطةِ بكلِّ المعلوماتِ المتعلقةِ بنفسِ القضيةِ، بالإضافةِ إلى أخذِ هذه المعلومات من مصادرَ مغلوطة، وتكوين رأيٍ عنها ليتصرفَ على أساسِها، تصبحُ تصرفاتُه غيرَ مستقيمةٍ وغيرَ ثابتةٍ، لذلكَ يجبُ أن نبني في الشخصيةِ طريقةَ تفكيرٍ عميقةٍ مستنيرةٍ تبحثُ الأمورَ بوعيٍ وعلى أساسٍ ثابتٍ، دون كللٍ ولا مللٍ، ملتزماً بالقاعدةِ الفكريةِ، وبمصادرِ المعلوماتِ السويةِ ، ويجبُ أن نهدمَ السطحيةَ في التفكيرِ، فالسطحيُّ هو من يقبلُ ويقتنعُ بأفكارٍ لا يعلمُ مصدرَها، وليس لديه قاعدةُ فكريةٌ صحيحةٌ يبني عليها مواقفَه، ولا يفهم حقيقةَ الواقعِ، فتكون مفاهيمُه خاطئةً فيترددُ في سلوكِه فتراهُ متناقضاً. وللأسفِ الشديدِ هذا الواقعُ الفاسدُ اليوم قد أصابَ كثيراً من الأفرادِ وكلَّ التنظيماتِ والأحزابِ، ففي السودانِ مثلاً كان حقُّ تقريرِ المصيرِ لجنوبِ السودانِ خطاً أحمراً لا يقربَه أحدٌ. فرداً كان أو حزباً، ولكن لغيابِ الأساسِ الثابتِ، والقاعدةِ الفكريةِ لدى الأفرادِ والأحزابِ والتنظيماتِ أصبحَ ذاك الخطُّ الأحمرُ أبيضاً الآن. فاُرتُكِبَ الحرامُ ، أي جريمة تعريض بلادِ المسلمينَ لخطرِ التقسيمِ والتفتيتِ على ما هي عليها الآن. فازداد عبءُ المسلمينَ في توحيدِ الأمةِ في دولةٍ واحدةٍ هي الخلافة.
والأسوأُ أن تكونَ المشاعرُ عندَ إرتكابِ الحرامِ مشاعرَ متبلدةً باردةً. فتشوهُ القاعدةَ الفكريةَ التي يقُاسُ عليها. فبدلاً عن الحكمِ الشرعيِّ في المسألةِ المعينةِ، تُلوى النصوصُ وتُحرَّفُ المعاني ، لما يرونَ فيها من مصلحةٍ دنيويةٍ، بحجةِ أن هذا واقعٌ مفروضٌ ولن يتغيرَ، فمثل هذه الشخصيات تتسمُ بالأنانيةِ الشديدةِ. ولا يهتمُّ صاحبُها بأسرَته ولا بالمسلمينَ فيتكونُ مجتمعٌ سمتُه الأنانيةُ واللامبالاة ، والمصيبةُ في شخصياتٍ سطحيةٍ كهذه تديرُ نظامَ حكمٍ سِمَتُه الإنتهازيةُ والظلمُ وضياعُ حقوقِ الناسِ. هذا إن كان يفهمُ أنه يجبُ عليه الرجوعُ للعقيدةِ الإسلاميةِ لمعرفةِ الحكمِ الشرعيِّ في أفعالِه، فيختفي هذا الحاكمُ خلفَ بعضِ العلماءِ يُعلِّقُ عليهم سَقَطَاتِه وجرائمَه، وهو في الحقيقةِ يُبعد اللهَ تعالى عن حياتِه، ويفصلُ حكمَ الله تعالى عن أفعالِه. فتكون القاعدةُ الفكريةُ التي يقيس عليها هى فعلياً العلمانيةُ وإقصاءُ الإسلامِ عن الحكمِ . فمثل هذه الشخصيات، علينا بهدمِ الكثيرِ منِ المفاهيمِ الخاطئةِ في أذهانهم وأذهان من يتَّبِعونَهم ، فنهدمُ إنهزاميةَ التفكيرِ وتَقَبُّلَ الواقعِ المريرِ وإتّباعَ الشهواتِ ونهدمُ فكرةَ أنَّ ذلك مصدرٌ للتفكيرِ بل نسعى أن تكون موضعاً للتفكيرِ والتغييرِ . ونبني أنِ الحكمَ إلا للهِ وأن المصلحةَ في إتباعِ الشرعِ برغمِ ما يُتوهمُ عند البعضِ من ظروفٍ، وأن التمسكَ والإلتزامَ بالتقوى هو الأساسُ في التعاملِ مع الناسِ وأن طاعةَ اللهِ تعالى فوقَ طاعةِ أي إنسانٍ أو قانونٍ، فيأخذُ من الدنيا بالحلالِ ويجهزُ من الأعمالِ الصالحاتِ لآخرتِه. ويضعُ مرضاةَ الله تعالى نصبَ عينِه في كلِّ صغيرةٍ وكلِّ كبيرةٍ.
فما بالكم بهذه الشخصيةِ المتميزةِ ، يرضى عنها ربُّها ويحبُها ويأمرُ العبادَ ومَنْ في السماءِ بحبِّها ، فلا أقلَّ من هذه الشخصياتِ التي تحتكمُ للشرعِ في نظامِ حكمٍ يحكُمُ بما أنزل اللهُ تعالى ويطبقُه من شخصيةٍ تقيةٍ، نقيةٍ، قويةٍ، شخصيةٍ ذاتَ فكرٍ مستنيرٍ وبصيرةٍ نافذةٍ، يضبطُ المجتمعاتِ والأفرادَ كما أراد لها اللهُ تعالى أن تكون. فهل تضيعُ بعد ذلكَ حقوقٌ؟ وهل يضيعُ بعد ذلك الإسلامُ ؟ وحينئذٍ ينصلحُ الزمان والمكان .
وصلي اللهم على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والحمدلله رب العالمين دائما وأبدا
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
أم حنين