إضاءات على تاريخ الدولة الإسلامية- الدولة العثمانية ج1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يملك من يبحث في التاريخ الإسلامي إلا ان يقدر كل التقدير ويجل كل الإجلال التاريخ المجيد الذي سطرته الدولة العثمانية، فهي رائعة وهي في أوج قوتها وهي عظيمة حتى في ضعفها، فلقد حكمت هذه الدولة ستمائة وثمان وثلاثين عاما تعاقب على حكمها ستة وثلاثون سلطانا، حازت المجد من جميع أطرافه، فهي في الجهاد سباقة وهي في العمران رائعة وهي في معاملتها لرعاياها رحيمة صهرتهم جميعا في بوتقة الإسلام لم تميز في أغلب فترات حكمها بين عربي وأعجمي كلهم مسلمون خضعت لها رعيتها أكثر من ثلاثة قرون دون تبرم يذكر.
بينما من يود كتابة إضاءة أو إضاءتين على تاريخها ليحار عمن يكتب، أيكتب عن عثمان المؤسس ووصاياه الرائعة لأولاده فقد أوصاهم رضي الله عنه بوصايا ثلاث: الحكم بما أنزل الله، والجهاد في سبيل الله، ونبذ الخلاف فأي وعي كان يتمتع به ذلك الأمير وأي إخلاص خالص كان يتمتع به ولقد انطلق العثمانيون من عِليِّ إلى أعلى يوم أن حافظوا على وصايا جدهم. هذا بعض مزايا عثمان فكيف كان حال ابنه اورخان الذي أسس الجيش الانكشاري ورباه تربية إسلامية وأرضعه الجهاد رضاعة وعليه فلن يستغرب أحد عظمة الانتصارات العثمانية واتساع الفتوحات العثمانية والانجازات المدهشة التي قامت على كاهل هذا الجيش العظيم، أما مراد الأول وما أدراك ما مراد الأول والذي اختاره الله شهيدا بعد معركة قوصوة عندما انحنى ليقبل جريحاً من جرحى أعدائه فطعنه هذا الجريح فمات شهيداً وإن ذكرت هؤلاء السلاطين فهل أنسى بايزيد الصاعقة الذي كان ينقض على أعدائه بسرعة خاطفة كالصاعقة والذي أبى أن ينسحب من ميدان معركة غير متكافئة فقد كان يقود جيشا عدده عشرين ألفا وتيمورلنك يقود جيشا يزيد على المئتي ألف فأبى الصاعقة أن ينسحب فقاتل وقاتل فعثر به جواده فأسره الأعداء ولم يقدروا هذا المجاهد حق قدره فسرعان ما مات في الأسر وقد ظن الأعداء أن أيام العثمانيين قد ولت بعد أسر بايزيد، إنهم ظنوا أن العثمانيين دولة عادية كسائر الدول ألم يعلموا أنها كانت دولة تحمل رسالة خالدة تحمل رسالة الإسلام الى العالم وترفع راية الجهاد، دون كلل أو ملل، إن هزيمة بايزيد في معركة أنقرة وأسره على يدي تيمور لنك التتري كان عثرة على الطريق إذ سرعان ما لملم العثمانيون شعثهم ليتولى بعد هزيمة أنقرة بأقل من نصف قرن أعظم سلاطين آل عثمان بل أعظم سلاطين الدنيا ألا وهو محمد الفاتح شاب مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولادته بثمانية قرون ونصف ومدح جيشه أعظم مدح، ألم تقرأوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها والجيش جيشها» هذا الشاب الذي لم يتجاوز الخمسة والعشرين ربيعاً يمن الله عليه بفضل فتح القسطنطينية التي استعصت على جند الصحابة والتابعين ومن أتى بعدهم، لقد ادخر الله لك هذا الفضل يا سلطاننا فهنيئا لك بهذا الفضل وهنيئا لك بهذا المجد ألم تقرأوا قوله تعالى: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(الحديد: من الآية21) ففتح سلطاننا أعظم مدن الدنيا وأكثر مدن الدنيا حصانة وأعظم عاصمة بناها بشر وأعظم قلعة من قلاع النصرانية التي صارعت المسلمين وطاولتهم في جهادهم دون كلل أو ملل إلى أن تولى القيادة أسد الإسلام محمد الفاتح فكيف تم فتح هذا الحصن الحصين لقدت تمكن العثمانيين في جهادهم قبل محمد الفاتح من إكمال فتح آسيا الصغرى حتى وصلوا أسوار القسطنطينية وعبروا مضيق الدردنيل إلى البر الأوروبي وفتحوا شبه جزيرة البلقان فقطعت طرق إمداد القسطنطينية إلا عن طريق البحر الذي كان يمدهم بإمدادات محدودة ولكن كيف يتأتى اقتحام أسوراها؟ يرسم سلطاننا خطة عسكرية مدهشة لم يعرفها ولم يتوصل إليها بشر إذ صنع سفنا تزيد على عشرين سفينة على سواحل البحر الأسود، وكان لا بد لهذه السفن المجهزة بالمدافع من الاقتراب من أسوار المدينة وكان مضيق البسفور مقفلاً بالسلاسل فلا بد إذن من وصول السفن من البحر إلى مياه القرن الذهبي عن طريق البر فيأمر سلطاننا جيشه بنقل هذه السفن إلى مياه القرن الذهبي، لتقترب من الأسوار وتتمكن المدفعية من دك أسوار القسطنطينية: يلبي شباب الإسلام هذا الأمر، وفي ليلة واحدة تنقل هذه السفن إلى القرن الذهبي وتبدأ المدافع تمطر القسطنطينية بحممها الهائلة كما أمطرت قذائف المدفع العظيم القسطنطينية من جهة الغرب فبدأت تتكون ثغرات في سور المدينة ولكن راية الإسلام لا بد من رفعها على الأسوار ليعجل هذا في انهيار معنويات المدافعين فيأمر سلطاننا شباب الإسلام بركز راية الإسلام على الأسوار فينطلق ثمانية عشر شابا لركز الراية فيستشهدون جميعاً، ثم يأمر بركز الراية فينطلق ثمانية عشر شابا لركز الراية فيستشهدون جميعاً ثم يأمر بركز الراية فيتقدم ثمانية عشر شابا لركز الراية، فيستشهد بعضهم وينجح البعض الأخر في ركز الراية وسلطاننا يبتسم، يبتسم سلطاننا أيها السادة من شدة سروره بجيشه الذي كان يقبل على الموت دون خوف أو وجل، وما هي إلا ساعات ويدخل جيش الإسلام المدينة لينطلق شباب الإسلام لفتح الباب الغربي ويفتح ذلك الباب ويتدفق عشرات الآلاف من الجيش العثماني عبر شوارع القسطنطينية ويدخل سلطاننا على حصان أبيض المدينة، يدخلها دخول المتذلل إلى ربه فيصادفه نصب أو صنم بحية ذات رؤوس ثلاث فيقف على جواده ليطعن هذا الصنم وينزله إذ لا أصنام بعد اليوم في القسطنطينية التي أصبح اسمها اسلامبول أي مدينة الإسلام ثم يسير سلطاننا إلى أعظم كنيسة بناها بشر ليجد الروم خائفين يائسين يدعون الله, يصل سلطاننا كنيسة أيا صوفيا وقد خاف النصارى من الإبادة فماذا فعل سلطاننا، لقد فعل مع النصارى في اسلامبول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشتركي مكة عندما قال اذهبوا فأنتم الطلقاء لقد قالها سلطاننا كما قاله رسولنا كما دعا الهاربين إلى العودة إلى إسلامبول وسمح لمن يريد الرحيل بالرحيل بكل أمان واطمئنان هذا تاريخنا أيها السادة هذه أمجادنا أيها السادة صبر في الحرب صدق عند اللقاء عفونا عند المقدرة أيتها البشرية في طول الكرة الأرضية وعرضها استحلفكم بالله هل دخول رسولنا مكة ودخول سلطاننا القسطنطينية كدخول هولاكو بغداد أو دخول الصليبيين بيت المقدس أو كدخول حديثي النعمة الأمريكان بغداد؟ الجواب واضح والحق أبلج.
يا شباب الإسلام: يا خير أمة أخرجت للناس لا يفتن أحد في عضضكم هذه الأيام ولا تجعلوا اليأس يتسلل إلى نفوسكم فالليل الذي يظلنا في آخره وسيبزغ فجر الإسلام قريبا إن موعدنا الصبح أيها السادة أليس الصبح بقريب نحن ننتظر بشائر النصر فقد وعدنا ربنا بالعز والتمكين ووعدنا ربنا بالخلافة الراشدة التي ستعم الأرض ووعدنا ربنا على لسان رسوله بفتح روما بعد القسطنطينية وقد تحقق فتح القسطنطينية وسيتحقق بإذن الله فتح روما قريبا. يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
لنعود إلى سلطاننا فماذا فعل بعد فتح القسطنطينية: اتخذ سلطاننا القسطنيطينية عاصمة للدولة وسماها اسلامبول وبفتح القسطنطينية أسدل الستار عن الإمبراطورية البيزنطية لتتبوأ مكانها دولة الخلافة العثمانية وتنطلق بكل همة لاتمام فتح بلاد البلقان ويصمم سلطاننا على تحقيق البشارة الثانية ألا وهي فتح روما ويعبر البحر الأدرياتي إلى البر الإيطالي ويفتح اترنتوه لكن الله جل شأنه ادخر فتح روما لفاتح آخر، يكفيك يا سلطاننا فضل فتح القسطنطينية يكفيك يا سلطاننا مدح رسول الله لك قبل ولادتك بقرون وقرون، ويشاء الله أن يتوفى سلطاننا وهو غازيا ويخيم حزن شديد على المسلمين يقابله سرور شديد عند النصارى وبخاصة بابا روما الذي أمر بالاحتفال بوفاة محمد الفاتح ثلاثة أيام ولكن هل توقفت الدنيا بموت محمد الفاتح؟ هل انهارت الدولة العثمانية بوفاة الفاتح كلا وألف كلا فلقد خلفه سلاطين لا يقلون عنه عظمة ورغبة في رفع راية الإسلام وتوحيد كلمة المسلمين، يخلف سلطاننا عدد من السلاطين منهم سليم الأول الذي ضم شرق الأناضول و مصر والشام والحجاز إلى الدولة العثمانية ثم يخلفه ابنه سليمان القانوني الذي ضم العراق للدولة كما خلص سواحل الجزيرة العربية من وحشية البرتغاليين و خلص شمال إفريقيا من البطش الاسباني وتوغل في أوروبا ففتح وفتح وفتح حتى وصل فينا فحاصرها حصارا شديدا كادت تسلم له مقاليد أمورها ولكن الله لم يرد ذلك. ثم يأتي مراد الرابع فيجاهد ويجاهد ويحاصر فينا مرة ثانية ولكن الله لم يرد فتحها.
هذه إضاءات بسيطة عن تاريخ الدولة العثمانية التي بقيت أكثر من خمسة قرون وهي أعظم دول الدنيا خطب ودها القاصي والداني كان ملوك أوروبا يخاطبون سلطانكم في مستهل الرسالة بمولاي وينهونها بخادمكم المطيع.
بقي أن نعرف عن هؤلاء العثمانيين الذين حقق المسلمون في عهدهم من العز والمجد ما لم يحققوه في عهود الإسلام الأولى، لقد كان الجيش العثماني يسمى بالجيش الذي لا يقهر وكان إذا بسط لواء الإسلام لتحقق أمر معين لا يطوي هذا اللواء مرة أخرى إلا بعد تحقيق الأمر المذكور فأي عز هذا وأي عظمة هذه.
انحدر العثمانيون أيها السادة من قبيلة قاربي التركية التي كانت تسكن أواسط آسيا ولما شن التتار بقيادة جنكيز خان وأولاده هجمة شرسة على بلاد الإسلام هربت هذه القبيلة من وجه التتار حتى وصلت إلى القرب من حلب وبعد انحسار الهجمة التترية ترددت قبيلة قابي بين العودة إلى موطنها الأصلي في أواسط آسيا أو البقاء في بلاد الشام، فقررت البقاء حيث هي، ولكن بعد شهور قررت الاتجاه شمالا إلى آسيا الصغرى، فوصلت إلى سلطنة السلطان علاء الدين السجوقي الذي كان يقود جيشا يحارب به البيزنطيين فانضمت قبيلة قابي إلى السلاجقة فحقق الله النصر للمسلمين، وسر الأمير علاء الدين السلجوقي بمقدم هذه القبيلة، فأقطعهم قطعة من الأرض تكفيهم للاستقرار في جنوب غرب آسيا الصغرى. سرت قبيلة قابي بموطنها الجديد، وأخذت تحاول توسيع رقعة سلطانها بمهاجمة البيزنطيين، ثم نخر الضعف سلطنة السلاجقة فتمكنت قبيلة قابي بقيادة عثمان وبعض حلفاؤه من توسيع رقعة الأرض التي تسيطر عليها وضم سلطنة السلاجقة إليها ووضع عثمان لبنة تأسيس الدولة العثمانية بوصاياه الثلاث آنفة الذكر.
يا شباب الإسلام: اعتبروا بتاريخكم، وثقوا بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر، يعز من يشاء ويذل من يشاء، قبيلة كانت هاربة من بطش التتار، وتترك أرضها لتستقر في أرض جديدة، تأخذ بأسباب القوة وأسباب النصر، وتنصر الله فينصرها الله، وتشيد دولة من أعظم بل أعظم دول الدنيا فسبحانك اللهم ما أعظمك.
اللهم من علينا بالتوفيق ومن علينا بفضلك واجعلنا ممن يعلي راية الحق وينقذ البشرية من الظلمات إلى النور وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو بكر