يوميات حامل دعوة - ح2
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يومِياتُ حَامِلِ دَعْوةٍ في رمضانِ - الحلْقةُ الثانية
بِسمِ اللهِ وَالصَّلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَعَلى آَلِهِ وَصَحبهِ وَمَنْ وَالاهُ, وَبَعْدُ عِبَادَ اللهِ- نُحييكُم بِتَحِيَةِ الإِسْلامِ فَالسَّلامُ عَليكُم وَرحمةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ:
إنَ اللهَ عَزَّ وَجلََّ أنزلَ الإسلامَ دِيناً لِيُنَظِمَ العلاقاتِ الثلاثَ للإنسانِ في الأرضِ:
- 1- عَلاقةَ الإنسانِ بِرَبِّهِ خَالِقِهِ وَرازِقِهِ مُحييهِ وَمُميتِهِ, لِيُحَدِدَ لَهُ كَيفِيةَ عِبَادَتِهُ وَتَقْديسِهِ عَزَّ وَجَلَّ.
- 2- وَعلاقةَ الإنسانِ بِنَفسِهِ, كَالمأكولاتِ والمشروباتِ والأخلاقِ.
- 3- وَعلاقةَ الإنسانِ بِغيرهِ في هذهِ الحياةِ من معاملاتٍ...
هذا هو الإسلامُ بِكُلِ بَساطَةٍ, فَالإنسانُ عاجِزٌ عن إِيجادِ نِظامٍ لِلحَياةِ لإدارةِ هذه العلاقاتِ الثلاثِ كَونَهُ عاجِزاً وَنَاقِصاً وَمَحدوداً وَمُحتاجاً. قالَ تَعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }, وَقال عزَّ مِنْ قائِل: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
إنَ حَامِلَ الدعوةِ كالشمعةِ يحترقُ لِيُنيرَ لِغيرهِ الطَّريقَ, بل لَعَمري هُوَ مِصباحُ الهُدى يُنيرُ دَرْبَ الحائرينَ التائهينَ, فَكانَ لِزَاماً عَليهِ أنْ يَستَمِدَّ نُورَهُ مِنْ نَبعِ النُورِ الكَبيرِ, ألا وَهُوَ القُرآنُ الكريمُ وَسُنةُ النَبيِّ المُصطفى عَليهِ أفْضلُ الصَّلاةِ وَأتَمُّ التَسْليمِ.
وَقَدْ كَانَ لنا في رسولِ اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ, وَبَصحابَتِهِ الكِرامِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحسانٍ وَسَارَ على دربِهِم وَاقْتَدى أَثَرَهُم مِثالُ قدوةٍ حسنةٍ.
فَحَامِلُ الدعوةِ في رمضانَ يُقبِلُ على القرآنِ الكريمِ إقبالَ الظمآنِ على الماءِ, فَيُكثِرُ مِنْ قِراءَتِه وَلْيَحْرِصَ أنْ تَكُونَ لَهُ قِراءَتَانِ: قِراءَةُ تَعَبُّدٍ وَأُخْرى تَدَبُّرٍ يَربطُ فِيها الأفكارَ بِواقِعنَا الحالِيِّ , لا أنْ يَقرأهُ قِراءَةً لا تَتَجَاوَزُ لَسانَهُ أو حَلْقَهُ. وَهُنَا حَقَّ لِيَ الوُقوفُ قَليِلاً!!!
كَثيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ تُشْغِلُهُ قِراءَةُ القُرآنِ عَنْ الاهتمامِ بِأمرِ المُسلمينَ وَتَتَبُّعِ أَخبارِهِم وَهَذا لا يجوزُ شَرعاً فَواجِبٌ عَلينا تَقَصِّيْ أخبارِ المُسلمينَ بل وَالعَمَلُ عَلى خَلاصِهِم مِنْ مَآسيهِم, فَالإسلامُ لَيسَ دِيناً كَهنوتِياً لِلتَّعَبُدِ فَقط وَلا رَهْبَانِيةَ في الإسلامِ مُنْقَطِعِةٌ عَنِ النَّاسِ, فَالمُسلمُ الذي يُخالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ على أذاهُم خَيرٌ مِنَ المُسلمِ الذي لا يُخالِطُ النَّاسَ وَلا يَصبِرُ على أذاهُم, وَصَدَقَ الصَادِقُ المَصْدوقُ حِينَ قَالَ: ( لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أشدُّ عَلى الشَّيطانِ مِنْ أَلفِ عَابِدٍ ) . فَلا تَغُرَّنَّكُم كَثْرةُ العِبَادَةِ المُنْقَطِعَةِ عَن ِالاهتمامِ بِأَمرِ المسلمينَ, وَلا يُفْهَمُ مِنْ كَلامي أنِّي أذُمُّ بِكثرةٍ العبادةَ لا, بل أنْ لا تُشغِلَهُ عَنْ فُروضٍ أُخرى قد فَرَضَها اللهُ عَليهِ.
وَحَامِلُ الدعوةِ لا يَسكُتُ عَنْ مُنْكَرٍ أبداً بل يَأمُرُ بِالمَعروفِ وَيَنهى عَنْ المُنْكَرِ لِيَكُونَ حَدِيثُ رَسولِ اللهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسلامُ بَينَ عَينَيهِ دَائِمَاً, القَائِلِ فِيهِ: ( إِنَ النَّاسَ إِذا رَأَوا الظَالِمَ فَلَم يَأخُذوا عَلى يَدَيهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمُّهَمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ ). صَحِيحُ الترمذي.
فَتَكُونُ خَشيَةُ اللهِ في قَلبِهِ أَشَدَّ مِنْ خِشيَتِهِ لِلنَّاسِ, وَكَيفَ لا وَهُوَ يَرى بِنُورِ اللهِ الظالمَ صغيراً مُهيناً أمامَ عَينَيهِ وَالضَعيفَ المظلومَ قَوِياً بِاللهِ الجَبَّارِ المُنتَقِمِ, فَهُوَ مُدرِكٌ أنَّ أجَلَهُ وَرِزْقَهُ بِيَدَيهِ سُبحانَهُ وَلَو اجتَمَعَتِ الإنْسُ وَالجِنُ عَلى أنْ يَضُرُّوه بِشَيءٍ لمَ يَضُرُّوهُ إلَّا بِما كَتَبَهُ اللهُ عليه.
وَحَامِلُ الدَّعوةِ لا يُضيعُ أَجْرَ صَلاةِ التَراويحِ مِصداقاً لِقَولِهِ عَليهِ الصلاةُ وَالسَّلامُ: ( مَنْ قَامَ رَمَضانَ إِيماناً واحتساباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ ) رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
هذا نَاهِيكَ عَنْ الأَجْرِ وَالثَوابِ الذي تُحَقِّقُهُ التَّراويحُ مِنْ اتِّصالٍ بِالنَّاسِ وَحَملِ الدعوةِ لَهُمْ , فَهُوَ أبْعَدُ مَا يَكُونُ عَنْ مُلهِياتِ حُكَّامِنَا الإعلاميةِ وَقْتَ صَلاةِ التَّراويحِ, فَلا يَنشَغِلُ بِمُسَلسَلٍ هَابِطٍ أو سَهْرةٍ تَكونُ عَليهِ حَسرةً يَومَ القيامةِ, وَلا مَجْلِسٍ يُدَخَّنُ فيهِ الأراجيلُ وَغيرِها مِنْ مُخططاتِ حُكَّامِنَا في إِلهاءِ الأمَّةِ عَنْ دِينِهَا في هَذهِ الأوقاتِ بِالذَّاتِ فَيُفسِدُ دِينَهُ بِدُنياهُ.
وَحَامِلُ الدعوةِ حَسَنُ المَنْطِقِ عَذْبُ الكَلامِ أَبعدُ ما يَكونُ عَنِ الغضبِ في رمضانِ, فَلا تَسمعُ مِنهُ إلَّا ذِكراً لِلَّهِ أو تَسبيحاً أو صَدعاً بِالحَقِ, وإِن سابَّهُ مُسلِمٌ فَيَقولُ لَهُ ( اللهمَ إِنِّي صائمٌ ), وَلا يَغضبُ كَبَعضِ النَّاس الَّذين إن صاموا فَهُم يَصومونَ عَنْ الأكْلِ وَالشُربِ فَقَط, فَحَقَّ عَلَيهِم قَولُ رَسولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلم:( رُبَّ صَائِمٍ لَيسَ لَه مِنْ صِيامِهِ إِلا الجُوعُ , وَرُبَّ قَائِمٍ لَيسَ لَهُ مِنْ قِيامِهِ إِلا السَّهَرُ ) رَواهُ ابنُ مَاجَه
فَحَامِلُ الدعوةِ سَهْلٌ لَيِّنٌ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ. يَتَذَكَّرُ سِيرةَ النَبِيِّ عَليهِ السَّلامُ وَصَحَابَتِهِ الكِرامِ حِينَ كَانوا لا يَجِدُونَ قُوتَ يَومِهِم فَيصبِرونَ وَيَحتَسِبُونَ عِنْدَ اللهِ.
أَسْنَدَ ابنُ وَهبٍ عَنْ ابنِ عَباسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُما أَنه قِيلَ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ: حَدِّثْنَا عَنْ ساعةِ العسرةِ. فَقَالَ عُمَرُ: خَرَجنا إلى تَبوكٍ في حَرٍ شَديدٍ, فَنَزَلنا مَنْزِلاً وَأصابَنْا فِيهِ عَطَشٌ حَتى ظَنَنا أنَ رِقَابَنا سَتنقَطِعُ, حَتى إنَ الرجلَ لَيَنحَرُ بَعيرَهُ فَيعتَصِرُ فَرْثَهُ فَيَشرَبُهُ ثُمَ يَجْعَلُ ما بَقيَ عَلى كَبِدهِ. البِدايةُ وَالنِهايَةُ
وَيَقولُ سَعْدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ عَنْ حَالِهِم حِينَ المُقاطَعَةِ:
" خَرَجْتُ ذَاتَ لَيلَةٍ لِأبولَ فَسَمِعتُ قَعْقَعَةً تَحْتَ البَولِ، فَإِذا قِطْعةٌ مِنْ جِلْدِ بِعيرٍ يابِسةٌ، فَأَخَذْتُها وَغَسَلْتُها ثُمَّ أَحْرَقْتُها وَرَضضتُها بِالمَاءِ، فَقَوِيتُ بِها ثَلاثاً ". وَيُكْمِلُ قَائلاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "كُنَّا نَغْزو مَعَ رَسولِ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلم مَا لَنا طَعامٌ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ, حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَاةَ".
أَي أَجَلَّكُمُ اللهُ كَانَ حِينما يَذْهَبُ إِلى الخَلاءِ يَضَعُ فَضَلاتٍ كالبَعْرِ التي تَضَعُها الشَّاةُ, ما في بَطْنِهِ شَيءٌ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ.
وَأَخْرَجَ أبو نَعيمٍ وابنُ عَساكِرَ عَنْ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخْلتُ عَلى النَّبيِّ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلم وَهو يُصَلِّي جَالِساً. فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ! أَرَاكَ تُصَلِّي جَالِساً فَما أَصابَكَ؟ قَالَ رَسولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلم: الجُوعُ يا أبا هُرَيرَةَ. فَبَكَيتُ. فَقَالَ: لا تَبْكِ يا أبا هُرَيرَةَ! فَإِنَّ شِدَّةَ الحِسابِ يومَ القِيامةِ لا تُصيبُ الجائِعَ إذا احتَسِبَ في دَارِ الدُنْيا.
وَأَخْرَجَ البُخاريُّ وابنُ أبي الدُنْيا في كِتابِ الجُوعِ عَنْ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالت: "أَوَّلُ بَلاءٍ حَدَثَ في هَذهِ الأُمةِ بَعدَ نَبِيِّهِا الشَّبَعُ فَإنَ القَومَ لَمَّا شَبِعَتْ بُطونُهُم سَمُنَتْ أبْدانُهُم فَضَعُفَت قُلوبُهُم وَجَمَحَت شَهَواتُهُم". أي طَغَت شَهَواتهُم على أعمالِهِم.
هَذهِ بَعضُ الوَقَفاتِ إخواني الكِرامَ في يومياتٍ لِحَامِلِ الدعوةِ في رمضانِ نُبْحِرُ وإِيَّاكُم في بِحَارِ السَلَفِ الصَّالِحِ لِنَستَفيدَ مِنها العِبرَةَ لِزَمانِنِا هذا... واعْذُرونا أَحِبَّتي الصائِمُونَ إنْ غَفِلنَا عَنْ بَعضِ الأمورِ التي تُقَرِّبُ العَبْدَ مِنْ رَبِّهِ وَهِيَ كَثيرةٌ كالصَّدَقةِ وَقِيامِ الليلِ وَغَيرِها إلَّا أنَّنا لا نَوَدُ الإطالةَ فَتَمَلُوا...
أسأَلُ اللهَ سُبْحانَهُ وَتَعالى أنْ يَنْفَعَنا بِما عَلَّمَنا وَأَسْأَلُهُ تَعالى أنْ يُرِيَنا الحَقَ حَقَاً وَيرزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وأنْ يُرِيَنا البَاطِلَ بَاطِلاً وَيِرزُقَنَا اجتِنَابَهُ.