ليس كل ما يلمع ذهبا ح3
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الكرام في إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير - في قاعة البث الحي - وفي كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.ومعكم في حلقة جديدة من " ليس كل ما يلمع ذهبا ".
ونواصل فضح المبدأ الرأسمالي وإدعائه للحرية، تلك الكذبة التي يعيشها الغرب الكافر ويريد أن يصدرها لأبناء المسلمين. وقد بينا في الحلقات الماضية هشاشة عقيدة المبدأ الرأسمالي. فناقشنا فشل الرأسمالية في تحديد دور عقل الإنسان. وهذا تسبب في ضلاله لأن الإنسان الذي يعتنق هذه العقيدة لا يتوصل لنتائج واضحة ترشده إلى الطريق الصحيح. وذلك لأن العلمانية، أي - فصل الخالق عن الحياة - هي عقيدة المبدأ الرأسمالي، لا توفر أجوبة صحيحة تقنع عقل الإنسان وتوافق فطرته.
ونقصد بهذا أن كل التساؤلات التي تطرأ على ذهن الإنسان وتتعلق بالحياة وما قبل الحياة وما بعدها، لا يتم الإجابة عليها. فمثلا : من أين أتينا ولماذا خلقنا وماذا سيحدث لنا بعد الموت، هذه أسئلة مصيرية يجب أن نجد لها أجوبة عقلية شافية وليست مجرد أجوبة. والمبدأ الرأسمالي بعقيدته العلمانية يقدم أجوبة سطحية ظنية وغير محسومة وليس لها دليل دامغ من الواقع المحسوس، فلا يكون الإنسان مطمئنا ويكون تائها متخبطا وضالا في هذه الدنيا يعيش فقط لإشباع شهواته فتتحكم المشاعر في سير العقل وليس العكس. لذلك تتسم العقيدة العلمانية حقيقة بالهمجية.
فكان من البديهي أن يركض حملتها وراء شعارات براقة وفارغة المحتوى، كالحريات والديموقراطية. شعارات لا مكان لها في اقع المجتمعات وحياة الناس. وهي همجية لأنه وصل الإنسان عندهم، بما إنه مُشرِع القوانين، وصل لدرجة التقديس. فكل ما يتعلق بالفرد هو مقدس لا يجوز المساس به. فلا يجب ان تضع له قيود تحد من رغباته المكبوتة ويجب أن يكون له حرية التصرف كيفما شاء، ووفق مصلحته ومنفعته الشخصية. وهنا لا بد لنا مع وقفة أخرى نحذر كل من ينبهر بهذا المبدأ الرأسمالي، خاصة أبناء المسلمين ممن خدعهم البريق اللامع فظنوه ذهبا. فلما قدس هذا المبدأ الإنسان لدرجة كبيرة وجعله يظن أن عقله غير محدود ويستطيع تشريع منهج متكامل للحياة، وركز على أن للإنسان رغبات وشهوات يجب إشباعها بأي طريقة كانت بلا قيود وكل شيء مسموح، أفرز هذا المبدأ شخصيات مخيفة أقرب للشياطين منها للإنسانية.
فقد أغفل هذا المبدأ أن الإنسان نفسه عاجز ومحدود لأنه مخلوق وإنه بكل بساطة وحتميا يحتاج لمن خلقه ليتنفس ويتحرك ويفكر بل ليأكل ويشرب ويعيش، هو يحتاج لخالقه عز وجل في كل كبيرة وصغيرة. ولكنهم نفوا ذلك وتغافلوا عنه. فتجدهم يؤمنون بأن الرزق بيدهم هم وهم من يرزقون أنفسهم. وكما يريد الإنسان الغربي أن يعيش إلى الأبد في هذه الدنيا لا يموت أبدا، فإهتموا إهتمام مبالغ فيه بالصحة والرياضة وتناول الأدوية والأغذية الصحية ظنا منهم أنها ستطيل من أعمارهم وتهافتوا على عمليات التجميل تهافتا يكاد يكون إدمانا ! وقد بلغوا درجة من حب الذات والكبر والغرور بالنفس لدرجة التبجيل فصار الإنعزال والأنانية والقسوة سمة مجتمعاتهم وباتت العلاقات الإنسانية بينهم باردة مادية بحتة فتقطعت الصلات وضاعت معالم المجتمع ومشاعره الدافئة .. فبسبب ثقافة الأنا .. إهتم كل فرد بنفسه فقط، وأسقطت إحتياجات المجتمع، فلا إحترام لأبوة ولا تعاطف مع بنوة ولا حاجة للإمومة ولا حنان ولا علاقات إلا بناء على منفعة ومصلحة فضاعت قيم إنسانية كثيرة.
وبسبب ضعف عقيدتهم فكريا تفشى التفكير السطحي عند الغربيين فاصبحت عقولهم سهلة القصف والتوجيه من قبل النظام الحاكم. والإنسان كائن إجتماعي بالفطرة أي لا يعيش لوحده منعزلا ومنفردا أبدا. وهذه فطرة البشر. فالإنسان يعيش في مجتمع ويحتاج لإقامة علاقات مع الناس من حوله ولذلك لزم تنظيم هذه العلاقات بين الناس تنظيما دقيقا. ولما كان المجتمع يتكون من أفكار ومشاعر الأفراد الذين يعيشون فيه، تقع على النظام الذي يحكمهم مسؤولية رعاية شؤون الناس. ولذلك يرتبط نظام الحكم إرتباطا وثيقا برعاية شؤون المجتمع. وهذا واقع المجتمعات. فهي تتكون من أفكار ومشاعر الأفراد ككل ويحكم بين الناس النظام الحاكم الذي يرعى شؤونهم ويعالج مشكلاتهم بنظام دقيق تفصيلي لكل كبيرة وصغيرة وبقوانين واضحة. ولما كانت الرأسمالية تشجع على الإنعزال وعلى الفردية والأنانية تصدع مفهوم المجتمع والصلات المجتمعية وبالتالي العلاقات بين الناس. وذلك لأن النظام الديموقراطي الحاكم يدافع فقط عن الحريات ولا يهتم بشؤون الرعية من مأكل ومن مشرب ومن تعليم وعلاج وأمن وأمان، فهذه كلها ليست حق للشعب بل الشعب يجب أن يسعى ويتعب حتى يتحصل على ما تجود به الحكومات الرأسمالية. فأهملت الشعوب وحاولت ترقيع أنظمتها الفاشلة بالأعمال الخيرية وبتخصيص أيام للإحتفال بفئات معينة في المجتمع وذلك من شدة تدهورالعلاقات بين الناس. فهناك عيد الأم وعيد الأب وعيد العمال وعيد الكريسماس وعيد الهالوين وعيد شم النسيم. وكما إهتموا بكرة القدم وبالأغاني والفرق الموسيقية إهتمام جنوني مبالغ فيه. وذلك كله لإشباع غريزة التدين عند الناس فبدلا عن الإعتراف بالعجز والمحدودية والنقص والبحث عن الحياة المستقيمة وعبادة الله تعالى، عبد شبابهم نجوم الرياضة والممثلين والمغنين والمنحطين بجميع الأشكال.
والواعي يدرك أنها سياسات إلهائية لهذه الشعوب حتى لا تلتفت لفشل الرأسمالية في رعاية الشؤون. بل أطلقوا للأفراد الحرية الشخصية في الإدمان على المخدرات مثلا وأغفلوا تداعيات ذلك على المجتمع ككل، فتفشى إدمان المخدرات وأصبح ظاهرة مرضية في المجتمع وبات يهدده. فهنا وقفت الحكومة حائرة فلا هي تستطيع وضع قانون يمنع المتاجرة في المخدرات لأن هذا ضد حرية التجار، ولا هي تستطيع إجبار الأفراد على عدم تناولها فبحسب القانون هي ليست جريمة. ففي نظام الحكم في المبدأ الرأسمالي تقع الفواجع والمصائب في المجتمع ومن ثم يحاول النظام إيجاد قانون ليحل المشكلة. بينما الصحيح أن المجتمع يحتاج لنظام حكم ينظم كل نواحي الحياة ويطرح حلولا لكل مشكلة قبل أن تقع، ولكل مشكلة تطرأ في حياة الناس وعلى أساس فكري مستنير يربط حياة الإنسان وما فيها من معالجات بما قبل الحياة وبما بعدها حتى يرتقي سلوك الفرد والمجتمع بما فيه من أفكار ومشاعر. وذلك لا نجده في المبدأ الرأسمالي أبدا، لأن ذلك التنظيم الدقيق والتفصيلي لكل كبيرة وصغيرة لن يجده أحد من الناس في مبدأ علماني. بل نجده فقط في مبدأ أساس عقيدته الراسخة وجود الله تعالى، فهو الذي خلقنا لعبادته عز وجل لإتباع منهج حياة وضعه رب العباد وخالقهم جل وعلا. فطاعة الله تعالى بالقيام بما فرضه وترك ما نهى عنه حتى يأتينا الموت ويوم الحساب هو المطلوب للعيش الهانيء الذي يقنع العقل ويوافق الفطرة. وإلى هنا المستمعون الأكارم قدمنا لكم الحلقة الثالثة من " ليس كل ما يلمع ذهبا " وإلى الحلقة القادمة بإذن الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.