الحلقة الحادية عشر حقوق الزوجة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حَيَّاكُمُ اللهُ مُستَمِعيِنا مُسْتَمِعِي إِذاعَةِ المَكْتَبِ الإعلامِيِّ لِحِزْبِ التَّحريرِ، وَنَلْتَقِي وَإيَّاكُم بِحَلَقاتِنا الْمُتَسَلْسِلَةِ لِمَوْضوعِ قَانتاتٍ حافِظاتٍ، هذهِ السِّلْسِلَةُ التِّي تَناوَلْنا فِيها صِفاتِ القانِتاتِ الحافِظاتِ، وَنَظْرَةَ الشَّرْعِ لَهُنَّ، وَبَيَّنَّا مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ واجِباتٍ، وَها نَحْنُ نُبَيِّنُ مَا لَهُنَّ مِنْ حُقُوق، كُلُّ حَسَبَ مَوقِعِها في الْجَماعَةِ وَالْمُجْتَمَعِ، سَواءَ أَكانَتْ أُمّاً أوْ زَوْجَةً أوْ أُخْتاً أوْ أَجْنَبِيَّةً، وَفي كُلِّ مَوْقِعٍ تُمَثِّلُهُ هذهِ الْمَرأةُ والتِّي اعْتَبَرَها الغَرْبُ نِصْفَ الْمُجْتَمَعِ، واعتَبَرْناها نَحْنُ كُلَّ الْمُجْتَمَعِ، كَيفَ لا وَهِي نِصْفُهُ بِكَيانِها كَامْرأةٍ وَكُلُّهُ لأنَّها هِيَ التِّي تَلِدُ وَتُرَبِّي النِّصْفَ الآخَرَ فيهِ.
وَاليَوْمَ سَنَأْتي إِلى ذِكْرِ حُقُوقِ رُكْنٍ أسَاسِّيٍّ في هذا الْمُجتمَعِ ألا وَهُوَ الزَّوجَة، وَالتِّي اعْتَبَرَها الشَّرْعُ مِنَ السَّعَادَةِ، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَربَعٌ مِنَ السَّعادَةِ: الْمَرأةُ الصَّالِحَةُ، والْمَسْكَنُ الواسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ".
فَما هِيَ حُقُوقُ هذهِ الزَّوجَةِ وَأيَضاً مَا هِيَ واجِباتُها تِجَاهَ زَوْجِها؟
إنَّ أَوَّلَ الْحُقُوقِ التِّي أُعْطِيَتْ لِلْمَرأةِ في مَسأَلَةِ الزَّواجِ، وَقبْلَ كَوْنِها زَوْجَةً، هُوَ حَقُّ اخْتِيارِها لِزَوجِها عَنْ أَبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قال: (( لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَى تُسْتَأْمَرَ, وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ, قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُها؟ قالَ: أنْ تَسْكُتَ )) رَواهُ البُخارِيُّ.
اللهُ أكْبرُ .. مَا أَعْظَمَ هذهِ الوَصِّيَةَ النَّبَوِيَّةَ وَهِيَ لِلرِّجالِ وَأَولِياءِ الْمَرأَةِ قَبْلَ أنْ تَكُونَ لَها .. وَهِيَ أَيْضاً صَفْعَةٌ في وَجْهِ أدعِياءِ التَّحَرُّرِ وَالْمُساواةِ، نَعَمْ دِينُكِ أَيَّتُها الْمُسلِمَةُ جَعَلَ لَكِ اخْتِيارَ زَوْجِ الْمُستَقْبَلِ حَيْثُ أعْطاكِ حَقَّ القَبُولِ أوِ الرَّفْضِ..
وَمَنْ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ مِنْ رَجُلٍ لا تُريدُهُ وَلا تَسْتريحُ إليهِ فَقَدْ عَصى اللهَ وَرَسولَهُ وَالدَّليلُ عَلى ذلكَ مَا رَواهُ البُخَارِيُّ عَنْ خَنْساءَ بِنْتِ حذام زَوَّجَها أَبُوها وَهِيَ كارِهَةٌ وَكانَتْ ثَيِّباً فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ فَرَدَّ نِكاحَها.
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى في حُرِّيَةِ اخْتِيارِ الْمَرأةِ لِمَنْ يَتَقَدَّمُ لها: " وَمُوجَبُ هذا الْحُكْمِ أَنَّهُ لا تُجْبَرُ الْبِكْرُ البَالغُ على النِّكاحِ، وَلا تُزَوَّجُ إلا بِرِضاها وَهذا قَوْلُ جُمهورِ السَّلَفِ وَمَذْهَبِ أبي حَنيفَةَ وَأَحْمدَ في أَحَدِ الرِّواياتِ وَهُوَ الْقَوْلُ الذِّي نُدينُ اللهَ بِهِ وَلا نَعْتَقِدُ سِواهُ وَهُوَ الْمُوافِقُ لِحُكْمِ رَسولِ اللهِ وَمَنْهَجِهِ وَقَواعِدِ شَريعَتِهِ وَمَصَالِحِ أُمَّتِهِ)
فَقَدْ جَعَلَ الإسلامُ الْمرأةَ هِي التِّي تُنشِئُ عَقْدَ الزَّواجِ، فَهِيَ طَرَفُ الإيجابِ: طَرَفُ إنشاءِ الْعَقْدِ وَإيقاعِهِ، لِيُوَضِّحَ بِشَكْلٍ مُتَمَيِّزٍ حَقَّ الْمَرأَةِ في اخْتيارِ الزَّوجِ وَدَوْرَها في بِناءِ الْحياةِ الزَّوجِيَّةِ.
وَيُمَثِّلُ الزَّوجُ طَرَفَ القَبولِ، وَصِحّةُ الْعَقْدِ بَيْنَهُما مُتَوقِّفَةٌ على رِضاهُما وَقَبُولِهِما مَعاً، فَلا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالإكْراهِ، كَما أنّ لَها وَلَهُ أنْ يُحَدِّدا مِنَ الشُّروطِ التِّي يَراها كُلٌّ مِنهُما وَيُوافِقا عَليها، إلاّ مَا حَرَّمَ حَلالاً أوْ حَلَّلَ حَراماً.
وَلكِنْ على المْرَأةِ أنْ تَتَذَكَّرَ دائِماً أنَّ أسَاسَ اخْتِيارِها لِزَوْجِها هُوَ الدِّينُ وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأنْكِحُوهُ إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرضِ وَفَسادٌ عَريضٌ " (رَواهُ التِّرمِذِيُّ وَالحاكِمُ وإسنادُهُ صَحيحٌ)
وَلكن هذا الْحَقُّ لا يَعْني أبداً أنْ تُزَوِّجَ الْمرأةُ نَفْسَها دُونَ إذْنِ وَلِيِّهَا، كَمَا أنَّها لا تَمْلِكُ تَوْكيلَ غَيْر وَليِّها في تَزْويجِها، فَإنْ فَعَلَتْ لَمْ يَصِحَّ نِكاحُها. فاخْتِيارُ الزَّوجِ أمْرٌ وَإِذْنُ الْوَلِيِّ أمْرٌ آخَرٌ، لأَنَّ النِّكاحَ لا يَصِحُّ إلا بِوَلِيٍّ، فَلا تَمْلِكُ الْمَرأةُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَها، وَلا أنْ تُزَوِّجَ غَيْرَها، لِمَا رَوَى أبو مُوسى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: «لا نِكاحَ إلا بِوَلِيٍّ» أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ. وَأَمَّا كَوْنُ المرأةِ لا تَمْلِكُ تَزْويجَ نَفْسِها، وَلا غَيْرِها، وَلا تَمْلِكُ تَوْكيلَ غَيْر وَلِيِّها في تَزْويجِها فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: «أَيَّما امرأةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّها فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنِكاحُها باطِلٌ، فَنكاحُها باطِلٌ» أَخْرَجَهُ الحاكِمُ, وَلِمَا رَوَى أبو هَرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لا تُزَوِّجُ المرأةُ المرأةَ، وَلا تُزَوِّجُ المرأةُ نَفْسَهَا، فَإنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ التِّي تُزَوِّجُ نَفْسَها»
وَيَجِبُ على الْوَلِيِّ أيضاً أنْ يُراعِيَ خِصَالَ الزَّوْجِ وَلْيَنْظُرْ لِكَريمَتِهِِ أيْنَ يَضَعُها، فَلا يُزَوِّجُها مِمَّنْ ساءَ خُلُقُهُ أو ضَعُفَ دِينُهُ أو قَصَّرَ عَنِ الْقِيامِ بِحَقِّها قَالَ عَلَيهِ السَّلامُ: " النِّكاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ أيْنَ يَضَعُ كَرِيمَتَهُ " وَالاحْتِياطُ في حَقِّها أَهَمُّ لأنَّها رَقِيقَةٌ بِالنِّكاحِ لا مُخَلِّصَ لها وَالزَّوْجُ قادِرٌ على الطَّلاقِ بَكُلِّ حالٍ، وَالوَلِيُّ إنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ ظالِماً أو فاسِقاً أو مُبْتَدِعاً أو شَارِبَ خَمْرٍ فَقَدْ جَنَى على دينِهِ وَتَعَرَّضَ لِسَخَطِ اللهِ لِمَا قَطَعَ مِنْ حَقِّ الرَّحِمِ وَسُوءِ الاخْتِيارِ.
وقالَ رَجُلٌ لِلْحَسَن: قَدْ خَطَبَ ابْنَتِي جَماعَةٌ فَمَنْ أُزَوِجُها قال: مِمَّنْ يَتَقي اللهَ فإنْ أحَبَّها أكْرَمَها وإنْ أبْغَضَها لَمْ يَظْلِمْها.
وَقالَ عَلَيهِ السَّلامُ " مَنْ زّوَّجَ كَريمَتَهُ مِنْ فاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا".
وَمِنْ حُقوقِ الزَّوجَةِ أيضاً هُوَ الْمَهْرُ. المَهْرُ في الإسلامِ حَقٌّ مِنْ حُقوقِ الزَّوجَةِ تَأخُذُهُ كامِلا حَلالا عَلَيْها لِقَوْلِهِ تعالى: (وَءاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) سورةُ النِّساء 4 . قال ابنُ عباس النِّحْلَةُ: المَهْرُ، وَقالَ ابنُ كثير رَحِمَهُ اللهُ في مَضْمُونِ كلامِ الْمُفَسِّرينَ في هذهِ الآيةِ: أنَّ الرَّجُلَ يَجِبُ عليهِ دَفُعُ الصَّداقِ إلى المرأةِ حَتْماً وأنْ يَكُونَ طَيِّبَ النَّفْسِ.
إنَّ هذهِ الآيةَ تُنْشِئُ حقًّا صَريحاً لِلْمرأةِ وَحقًّا شَخْصِياً في صَداقِها وَتُنْبِئُ أيضاً بِما كانَ واقِعاً في الْمُجتَمَعِ الجاهِلِيِّ مِنْ هَضْمِ هذا الحَقِّ في صُوَرٍ شَتى، واحدةٌ مِنْها كانَتْ في قَبْضِ الوَلِيِّ هذا الصَّداقَ وَأخْذِهِ لِنَفْسِهِ وَكَأنَّما هِيَ صَفُقَةُ بَيْعٍ هُوَ صاحِبُها!
وَواحِدَةٌ مِنْها كانَتْ في زواجِ الشِّغارِِ وَهُو أنْ يُزَوِّجَ الوَلِيُّ المرأةَ التِّي في ولايَتِهِ في مُقابِل أنْ يُزَوِّجَهُ مَنْ يَأْخُذُها امرأةً هِيَ في وَلايَةِ هذا الآخَرِ، واحِدَةٌ بواحدةٍ ، صَفْقَةٌ بَيْنَ الوَلِيَّيْنِ لا حَظَّ فيها لِلْمرأَتَيْنِ، فَجاءَ الإسلامُ وَحَرَّمَ هذا كُلَّهُ وَجَعَلَ الزَّواجَ التقاءَ نَفْسَينِ عَنْ رَغْبَةٍ وَاخْتِيارٍ، وَجَعَلَ الصَّداقَ حَقًّا لِلمَرأةِ تَأْخُذُهُ لِنَفْسِها وَلا يَأْخُذُهُ الوَلِيُّ، وَحَتَّمَ تَسْمِيَةَ هذا الصَّداقِ وَتَحْديدَهُ لِتَقْبِضَهُ المرأةُ فَريضَةً لها وَواجِباً لا تَخَلُّفَ عَنْهُ.
وَأَوْجَبَ أنْ يُؤَدِّيَهُ الزَّوْجُ ( نِحْلَةً ) أيْ هِبَةً خالِصَةً لِصاحِبَتِها وَأَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَارتِياحِ خَاطِرٍ كَمَا يُؤَدِّي الْهِبَةَ وَالْمِنْحَةَ، وَإذا طابَتْ نَفْسُ الزَّوجَةِ بَعْدَ ذلِكَ لِزَوْجِها عَنْ شَيْءٍ مِن صَداقِها كُلِّهِ اوْ بَعْضِهِ فَهِيَ صاحِبَةُ الشَّأْنِ في هذا تَفْعَلُهُ عَنْ طيبِ نَفْسٍ وَراحَةِ خاطِرٍ، وَالزَّوْجُ في حِلٍّ مِنْ أَخْذِ ما طابَتْ نَفْسُ الزَّوْجَةِ عَنْهُ وَأَكْلِهِ حَلالاً طَيِّباً هَنيئاً مَريئاً.
وَبِذلِكَ الحقِّ اسْتَبْعَدَ الإسلامُ ذلكَ الرَّاسِبَ مِنْ رَواسِبِ الْجاهِلِيَّةِ في شَأْنِ المرأةِ وَصَداقِها وَحَقِّها في نَفْسِها وَفي مَالِها وَكَرامَتِها وَمَنْزِلَتِها وَفي الوَقْتِ ذاتِهِ لَمْ يُجَفِّفِ الصِّلاتِ بَيْنَ المرأةِ وَرَجُلِها وَلَمْ يُقِمْها على مُجَرَّدِ الصَّرامَةِ في القانونِ، بَلْ تَرَكَ للسَّماحَةِ والتَّراضي وَالْمَوَدَةِ أنْ تَأْخُذَ مَجْراها في هذهِ الحَيَاةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأنْ تُبَلِّلَ بِنُدُوَّتِها جَوَّ هذهِ الحياةِ.
هذِهِ بَعْضُ الْحُقوقِ التِّي أَوْجَبَها الشَّرْعُ لِلزَّوجةِ، وَسَنَأْتي على بَيانِ باقي الْحُقوقِ في الحَلَقَةِ القَادِمَةِ بِإِذْنِ اللهِ، وَإَلى ذلكَ الحينِ، أَتْرُكُكُمْ في رِعايَةِ اللهِ وَحِفْظِهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ
أم سدين