منارات على طريق الدعوة أمانة التبليغ الحلقة الخامسة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنها الأمانة الكبيرة الكبيرة فإما أن نكون أهلاً لها بتأديتها وإبلاغها وإما أن نكون "خونة" بتضييعها ونسيانها!!
يقول عزّ من قائل: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " ( البقرة 143)
ويقول أيضاً : " لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ( النساء 165)
إن الدعوة ليست تطوعاً يتقدم بها صاحب الدعوة إنما هو التكليف الصارم الجازم الذى لا مفر من أدائه فالله من ورائه ، وإنها ليست اللذة الذاتية فى حمل الخير والهدى للناس ، إنما هو أمر من عند الله سبحانه وتعالى والذى لا يمكن التفلت منه ولا التردد فيه ، وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد إنها تكليف وواجب وراءه الجد وليعرفحملة الدعوة أن أمامهم واجباً ثقيلاً لأنهم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وهو حجة الله على الناس يقول الله تعالى:
"قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " ( الجن 22)
هذه هى القولة الرهيبة التى تملأ القلب بجدية هذا الأمر ، أمر الرسالة والدعوة ، والرسول e يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبرى ، إنى لن يجبرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملجئاً أو حماية إلا أن أبلغ هذا الأمر
فالدعوة إلى الله عز وجل واجب هذه الأمة الخاتمة التى اختارها الله جل وعلا للقيادة - بقوة وجدارة - بما معها من الحق الذى قامت من أجله السموات والأرض وخلقت الجنة والنار وأنزل الكتب وأرسل الرسل !
"فالمسلم لم يُخلق ليندفع مع التيار ويساير الركب البشرى حيث اتجه وسار ، بل خُلق ليوجه العالم ، ويحكم البشرية بشرعة الله ، ويُملى عليها إرادته لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين ، ولأنه المسئول عن هذا العالم وسيره واتجاهه فليس مقامه مقام التقليد والاتباع ، ولكن مقامه مقام الإمامة والقيادة ، ومقام الإرشاد والتوجيه ومقام الآمر الناهى ، وإذا تنكر له الزمان ، وعصاه المجتمع ، وانحرف عن الجادة ، لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم العصر ، بل عليه أن يثور عليه وينازله ويظل فى صراع معه وعراك حتى يقضى الله فى أمره
فلابد إذن من الدعوة والبلاغ ولقد دلت الأدلة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وأنها من أكرم الفرائض التى افترضها الله عز وجل على هذه الأمة المباركة منها قوله سبحانه : "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ( آل عمران 104)
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - : ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله فى الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأولئك هم المفلحون وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية ومنه ما يتعيّن، يؤجر القائم به ولا يعذر تاركه حتى يقام، حيث رتب الله على القيام به النجاة ورتب على تركه العذاب. قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) . ( الأعراف 165)
ومن هنا يجب على الأمة أن تجتمع جميعها على إقامة هذه الفريضة، وليعلم المسلم الذي يهتم بأمر دينه أن ما يتلوه من آية، وأن ما يقرأه من حديث ليس مقصوداً به وحده بل يعم الخطاب الجميع. وحتى لو كان الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم
فإنه خطاب موجه إلى الأمة من خلاله ما لم يرد دليل التخصيص. فإن أمر الله المسلم بالإيمان فهو أمر له ولغيره. وان أمره بالعبادة فله ولغيره. وان أمره بالحكم بما أنزل الله فله ولغيره أيضاً.