السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الكارثة الإقتصادية التي حلت في الأرض ح1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خيرات الأرض ومقدراتها وأموالها ومجهودات الإنسان تُستبدل بورق ملون اسمه : الدولار


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد :


أيها الإخوة الكرام، عندما خلق الله تعالى الأرض وقدر فيها أقواتها، وخلق آدم عليه السلام، وأسكنه الأرض، فتكاثر البشر وتناسلوا وتشكلت الجماعات البشرية، أخذ الناس بالتعامل بين بعضهم البعض وكانت المقايضة هي الأساس في استبدال السلع مع بعضها لبعض أو استبدال الخدمات وجهد الإنسان إما بالسلع أو الخدمات .


وبدأ الناس يفكرون بإيجاد سلعة تكون هي مقياس الاستبدال والمقايضة بين البشر فاهتدى الناس إلى المعادن والطين، فضربت بعض المعادن، إما معدن واحد أو أكثر من معدن في القطعة الواحدة، وإما الطين أو الجص أو الفخار ولكن سرعان ما تهاو ت كلها ولم يصمد إلا الذهب والفضة والبرونز ( وهو خليط من النحاس والرصاص والقصدير ) في بعض الحقب الزمنية، فكان الذهب والفضة هما المقياس في التعامل في الاستبدال أو المقايضة بين الناس، ولا أعلم من هي الحضارة الأولى التي سبقت في استخدام الذهب والفضة والاهتداء إليهما كعملة، أهم الإغريق أم الرومان أم حضارات ما بين الرافدين ( بابل، آشور، آكاد ) أم الفينيقيون والكنعانيين، وهل كان الاهتداء للذهب والفضة كنقد اكتشاف بشري أم وحي إلهي .


وهذا لا يعنينا كثيرا في هذا المقام ولكن الهام، والذي نريد أن نسلط الضوء عليه هو أن البشرية جمعاء قد أجمعت في كل عصورها وفي جميع أجناسها وحضاراتها القديمة والحديثة باستثناء القرن العشرين، على استخدام الذهب والفضة كنقد .


فالدراهم التي اشتُري بها يوسف عليه السلام كانت فضة والكنوز التي كانت مع قارون ذهبا وفضة والدفائن التي عُثر عليها من كل الحضارات القديمة في الرافدين ووادي النيل ومأرب حميَر والإغريق والسند والهند وبلاد الساسان والرومان والجرمان والسكسكون، كلها وُجد فيها مسكوكات وكانت من الذهب أو الفضة، ووجودها على أشكال قد ضُربت عليها وسكت بها يعني أنها كانت تُستخدم كعملة ويُتعامل بها على أنها نقد .


والوريقات التي كانت مع أهل الكهف أيضا كانت وِرق (فضة) والكنز الذي كان للغلامين الوارد في سورة الكهف كان ذهبا.


فوُجد الدينار البيزنطي والهرقلي والحميري، والدرهم الساساني والدرهم الكسراو ي وغيرهم، وهذا إجماع من البشرية على أن الذهب والفضة هما أساسا التعامل والتبادل والمقايضة للسلع والخدمات والمجهودات بين الناس .


وعندما جاء الإسلام أقرّ الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على التعامل بهذين المعدنين فكان يأتي لمكة والمدينة المنورة الدنانير الحميرية من اليمن والهرقلية من بلاد الروم والدراهم الساسانية من بلاد فارس .


وكان التعامل يتم على أنها أو زان من التبر ( المعدن الخالص ) وليس عداً أي بأعدادها لاختلاف الأوزان وخوف الغبن بين الناس.


فُرضت الأحكام من الله تعالى تعلقت بهذين المعدنين بعض الأحكام الشرعية، فقد حرم الإسلام كنزهما أو جعلهما أواني أو مقتنيات للاستخدام، وحرم لبس الذهب على الرجال والتزين به وخصصه بالنساء، وقد رُبطت بهما الدية في القتل والجروح والقصاص، والقطع في السرقة، وحددت بهما الزكاة وبلوغ النصاب، وجُعلت مبادلة الذهب بالذهب يداً بيد وهاءً بهاء ووزناً بوزن، أي نفس الوزن والمقدار، وكذلك الفضة بالفضة يداً بيد وهاءً بهاء ووزناً بوزن، وحرم الإسلام التفاضل بالأوزان بين الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وسمح بالتفاضل باستبدال الذهب بالفضة والفضة بالذهب،ولكن يدا بيد وهاءً بهاء .


وقد كانا الذهب والفضة من ضمن الأصناف الربوية الستة ( القمح، الشعير، التمر، الملح، والذهب والفضة ).


واستُثنيت كل المعادن من الأصناف الربوية وحتى التي لها قيمة عالية بين الناس أو ثمنها مرتفع مثل النحاس والرصاص والألمنيوم والنيكل والبلاتين كذلك الأحجار الكريمة من اللؤلؤ والماس والياقوت والزبرجد بل قل كل المعادن وكل الأحجار الكريمة فلم يرقى لأيٍ منها أن يكون عملة أو نقدا أو لأي خليط منها .


وللذهب والفضة مواصفات وميزات خاصة نذكر منها :


أولا : أنها اختيار رباني عندنا نحن المسلمون وان الله تعالى هو الذي جعلها نقدا ومقياسا للتقايض والتعامل، فالأحكام الشرعية التي وردت بخصوصهما تبين ذلك.


ثانياً : إن الذهب والفضة يصعب انتقاص أو زانهما عند الملمس أو الاحتكاك في التعامل


ثالثاً : ندرتاهما حيث أن وجودهما على سطح البسيطة وفي كل أجزاء اليابسة يمتاز بالندرة التي تتوافق وأعداد بني البشر وقدرة امتلاكهم أو استخراجهم لهذين المعدنين.


رابعاً : إمكانية السك والضرب والتشكيل للأوزان المختلفة لهذين المعدنين وخاصة الصغيرة منها، حتى قد يصل التشكيل لقطعة يصغر وزنها أجزاء من الغرام الواحد، مع وجود الصلابة اللازمة للحفاظ على الأشكال والرسومات والكتابات المضروبة


خامسا : ولا يغيب عنا أن الجهود المبذولة لاستخراج هذين المعدنين من الأرض من تنقيب وحفر أو صهر أو تنقية، تساو ي هذه الجهود ما يستخرج من هذين المعدنين أي قيمة الاستخراج والتنقيب تساو ي مقدار الذهب المستخرج، أي أنه يعني هذا أن المعدنين لهما قيمة حقيقية في ذاتهما ويجب أن تعلم أن كمية الذهب والفضة الموجودة في الأرض أو المخزنة في خزانات وقاصات البنوك المركزية لدول العالم والمكدسة فيها على أشكال سبائك وما هو معروض على أشكال حلي أو مصنوع على أشكال أواني وأية أشكال تجارية، تكفي لأن تكون عملة يتداولها كل سكان الأرض بكل أريحية ويسر بدون أي أزمة أو نقص في السيولة . وإذا أضفت إلى كل هذا الرغبة الإنسانية في اقتناء الذهب والفضة والتزين بهما وخاصة عند النساء، علمت أن هذه الميزات والخواص لا توجد إلا في هذين المعدنين ( الذهب والفضة ) .


أيها الإخوة :
لقد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام 20 للهجرة، الدنانير والدراهم ولكن بنفس الأوزان والأشكال الموجودة سابقا ( الدرهم الفارسي، والدينار الهرقلي) فالدرهم من الفضة والدينار من الذهب، وهنا لم يغير عمر رضي الله عنه في الأوزان ولا في الأشكال باستثناء بعض الكلمات والكتابات مثل ( بسم الله، وبسم الله الرحمن الرحيم ) وهذا إقرار وإجماع من الصحابة رضي الله عنهم على فعله أي جعلُ الذهب والفضة نقدا، ولم يعترض أحد من الصحابة على هذا ، لان هذا سبق إقراره من الرسول صلى الله عليه وسلم.


وفي خلافة عبد الملك بن مروان ذلك التابعي الأموي المكّي الذي وصل الإسلام في عصره إلى كل أجزاء المعمورة ودولته التي تتسيد قيادة الأرض، ضرب الدرهم الإسلامي في عام 75 هجري، وضرب الدينار الإسلامي عام 77 هجري، وضرب الدينار الإسلامي في عام 77هـ.


وقد التزم عبد الملك بن مروان في الأوزان المعمول بها سابقا ولم يغير عليها ولكن غير الأحجام والأشكال والكتابات وبعد ذلك أصبح الدينار والدرهم الإسلامي هو عملة الأرض، واستمر كذلك زمن العباسيين والمماليك وزمن العثمانيين وبقي على نفس الأوزان والذي يختلف هو الحجم والشكل وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى والدينار والدرهم الإسلامي يتربع على عرش التعامل والتقايض بين البشر ممثلا بالدينار العثماني _ العصملي _ والليرة الرشادية نسبة إلى السلطان رشاد العثماني، وما زالت موجودة الى يومنا هذا في الأسواق لتزين أجياد النساء وتُدفع بها مهور بعضهن .


أيها الإخوة الكرام :
لقد استمر التعامل بالذهب والفضة على أساس أنهما نقدا بين الناس حتى الحرب العالمية الأولى، عندما أوقفت بريطانيا التعامل بالذهب ووضعت الورق نيابة عنه، ولكن سرعان ما عاد الذهب وتربع على عرش التقايض، ونستطيع القول أنه اقترن إلغاء التعامل بالذهب بزوال الدولة الإسلامية وغيابها عن الوجود وعن رعاية شؤون المسلمين، فبريطانيا ومنذ القرن الثامن عشر بدأت بطباعة الأوراق النقدية وكانت نائبة عن الذهب والفضة أي تستطيع أن تستبدل الورق النقدي بالذهب والفضة بدون أي حرج أو قيد ومتى تشاء، وكان ذلك بحجة توفير السيولة النقدية للثورة الصناعية، ولكثرة الحروب ومتطلبات الاستعمار ونفقاته وانتشار قطع الطرُق، فكانت الحجة البريطانية لاستغلال ونهب خيرات مستعمراتها ( الورق النائب عن الذهب ) .


وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى طبعت بعض الدول أو راقا نقدية بدون غطاء ذهبي لتغطية الخسائر التي لحقت بها من جراء الحرب والدمار، ولسد العجز في ميزان المدفوعات الذي أو جدته متطلبات عملية اعتمار ما دمرته آلة الحرب، ولكن سرعان ما عادت الدول للعملة الذهبية بعد الكساد العظيم الذي حل بالأرض في عام 1929 ميلادي، وشل حركة الاقتصاد في الأرض وكان مقدمة لاندلاع الحرب العالمية الثانية التي حصدت ما حصدته من أرواح وممتلكات، فدُمرت المصانع والمنشئات والمباني والبنى التحتية لمعظم الدول، وهنا ظهر الدولار على مسرح الاقتصاد الدولي .


انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 م . بظهور دول واندثار دول وغياب دول، وظهور الولايات المتحدة الأمريكية في حلبة الصراع الدولي .

نتوقف عند هذه النقطة مستمعينا الكرام وهي ظهور أمريكا ودخولها الصراع الدولي وبدء طبعها للدولارات وإغداقها على دول الأرض ونتابع معكم بقية بحثنا في الحلقة الثانية إن شاء الله والى ذلك الحين نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبو مهند

يتبع..

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع