التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي من إرث المفكر السياسي الدكتور عايد الشعراوي (يرحمه الله) ح1
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
التلويث الفكري والإعلامي في العالم الإسلامي هو عنوان البحث الذي وضعه الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله في كتاب أهداه إلى :
كل المظلومين في سجون الظالمين
وإلى كل من استشهد لتكون كلمة الله هي العليا
وإلى الذين ﴿صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً﴾
وقد قدم الدكتور الشعراوي يرحمه الله لهذا الكتاب بمقدمة قال فيها:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد. فإن الأمم الحية هي صانعة تاريخها ومسطرة أمجادها، والأمم الهزيلة تستعير تاريخ غيرها من الأمم السابقة لتنسب لنفسها أمجاداً وتاريخاً، وشتان بين صانع التاريخ ومدعٍ صنعه، والتاريخ هو سلسلة من الأحداث اليومية المترابطة، وكلي نفهم الحاضر لا بد من الإحاطة بالماضي، هذا إذا كانت حركة التاريخ تنساب على وتيرة واحدة يقودها مبدأ معين بأفكاره ورجاله رواد نهضته، إما إذا كانت تعتريها تغيرات جذرية وكوارث ماحقة فإنه بالإمكان فهم كل حقبة بصورة مستقلة عن الحقب السابقة، والأمم والشعوب ليست وليدة ساعتها لكي يحكم عليها من خلال واقعها الذي تعيش، وهي ليست بمعزل عن غيرها من الأمم الأخرى ومبادئها وأفكارها حتى يقال إنها لا تؤثر ولا تتأثر بما وبمن حولها. والشعوب تنقل فكر بعضها وقد تفرضه فرضاً إذا حصلت لها الغلبة على غيرها فيتأثر المغزو بالغازي محاكاة وتقليداً واعتناقاً لأفكاره ومعتقداته ومنهج حياته، وذلك إكبارا منه لعنصر التفوق عند خصمه وشعوراً منه بعقدة النقص ومركباته التي تنطبع في سلوك المقهور وطريقة عيشه فيصبح أشبه ما يكون بالقرد في قفص الترويض ينتظر الأوامر والتعليمات من مروضه، ويصبح مطواعاً مقابل قطع صغيرة من الطعام المسيس في الهدف والنتيجة.
وفي هذا العالم المترامي تشكل الأمة الإسلامية رقماً مهماً من تعداده، وتحتل جزءاً كبيراً من مساحته الجغرافية، ولكنها تعيش اليوم في ظل ظروف تداعي الأمم عليها نتيجة تقصيرها في حمل الفكرة الإسلامية وفي تطبيقها، ونتيجة جهل بالإسلام وكيد من أعدائه مما أدى إلى غياب الراعي وفساد الرعية. ونتج عن ذلك غياب الإسلام عن المجتمع والحكم، أي أبعد الإسلام عن الدولة وعن الحياة العامة للمجتمع، وبما أن الوعي على الفكرة الإسلامية وطريقة تنفيذها في المجتمع والسلطة هو من أهم العوامل التي تساعد على استئناف الحياة الإسلامية فإن هذا الوعي لا يحدث تلقائياً، بل يحتاج إلى وعي على طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والسير حسبها وخلال ذلك وقبله وبعده ينبغي الوعي على الماضي الذي هو التاريخ وعلى الحاضر الذي هو السياسة المحلية والدولية، يضاف إلى ذلك التنبه على كل ما يذاع وينشر من دسائس الفكر الخبيث والغزو الإعلامي بمزيد من الوعي المركز الذي يمارسه المتلاعبون بالعقول في سباقهم المحموم على احتلال زوايا العقل عند أكبر عدد من الناس، في شكل ينم عن استهتار بعقول البشر واستخفاف بالإنسان، وينم عن سخرية لا حد لها عن طريق الكذب الإعلامي المتواصل، والدجل السياسي بدون حدود، وكل ما يرافق ذلك من تلون وتمويه أجادوه حق الإجادة في محاولة لاستغباء عامة الناس واستغلال طيبتهم وعفويتهم الصادقة.
وإذا كان موجهو أبواق الإعلام يكذبون ويعلمون أنهم يكذبون فمن واجب كل مسلم أن يعرف أنهم يكذبون وأن لا يتوقع منهم أن يصدقوا طالما بقيت هذه الأبواق بيد هذه النوعيات ومسخرة كلياً لخدمة أسياد هذه الأبواق، وأصبحوا يستخدمون أسلوب الإعلان مدفوع الثمن وليس أسلوب الإعلام، إضافة إلى ما يرافق ذلك من دعاوى رخيصة مليئة بالمبالغات والتشويق وكأنه يخاطب الغريزة بدل مخاطبة العقل، وكأنه يسوق سلعة تجارية حينما يسوق مخططاته السياسية ومنهج الحكم الذي يمارسه.
وقد يرى البعض أن الموضوع لم يغص في تفاصيل وجزئيات الجانب الإعلامي وذلك بقصد التركيز على الجانب الفكري السياسي منه، وعدم اللجوء إلى المنهج التعليمي الأكاديمي لأن هنالك من البحوث والمراجع الأكاديمية ما يكفي ويزيد، متوخين إلقاء الضوء على بعض الجوانب المظلمة في هذا المجال، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح القلوب وينير العقول، وأن يعزنا بعزة الإسلام.
بيروت في 1 رمضان 1408 هـ
عايد الشعراوي
كانت هذه مقدمة البحث الذي سنتاوله معكم مستمعينا الكرام وهو من ارث المفكر السياسي الدكتور عايد الشعراوي يرحمه الله.
وإلى أن نلتقي معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله نستودعكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.