الإثنين، 21 صَفر 1446هـ| 2024/08/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

أمثال في القرآن الكريم - ح9

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ويوجهنا ربُنا تبارك وتعالى إلى الاعتبار بمِثل آخر عن الحياة الدنيا، ولكنَّ المثل هنا يتناول أعزَّ وأغلى ما في حياة الناس، أي الأموال والأولاد، فيقول عزَّ وعلا: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ *} [الحَديد: 20].
واضح في هذا المثل التشابه في الصور التي يوردها عدد من النصوص القرآنية حول الحياة الدنيا، وذلك للتوكيد على الغاية الأساسية التي ترمي إليها هذه النصوص، وهي إيقاظُ الإنسان من غفلته عن مصيره إلى الفناء، وحثُّه على العمل للآخرة، وما ينتظره هناك من الحساب والجزاء..


وتلك الصورة الحسية التي تتناولها الأمثال في القرآن الكريم، هي - كما بيّنا سابقاً - ممّا يشاهد الناس بأم العين من النبات في أبدع مظاهره وزهوه، ومن الحصيد الهشيم الذي يتبدد ويتناثر.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأفكار والمشاعر حول المتاع، واللهو والزينة التي تفتن الناس، ونراهم يتهافتون عليها تهافت الجياع على قصعة الطعام!.. وكلُّ ذلك قد يكون من مألوف الإنسان الذي اعتاد عليه من غير أنْ يعيره اهتماماً، إلاَّ أنَّ فضل القرآن الكريم أنه يشد أنظاره إلى كل ما يحيط به، ويدعوه للتأمل في كل شيءٍ من حوله، ولا سيما ما يتعلق بحياته، ويكون له تأثيره المباشر عليه، بل وله تأثير  خاصٌ في حياتنا جميعاً، نحن البشر، نظراً لشدة أهميته وتأثيره على وجودنا الإنسانيّ بأسره، ونعني به كسب الأموال، وإنجاب الأولاد. وغنيٌّ عن التأويل أو التكهُّن فإنَّ القرآن المبين عندما يهدينا إلى قول الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، فأول ما يتبادر إلى الأذهان كيف أنَّ الناس يفنون العمر من أجل كسب المال، وحيازة الممتلكات والأرزاق، وكيف يجهدون لإنجاب البنين، والعمل على توفير متطلباتهم.. وهذا أمر طبيعي، لأنَّ أعزَّ الأشياء عندهم، وأحبَّها إلى قلوبهم هم الأبناء.. وهذا أمرٌ جليل في الحياة.. ولكنْ ما ينبِّه إليه القرآن الكريم هذا التفاخر في التملك والاقتناء، وهذا الاعتداد بوجود الأولاد والأحفاد، على ما هو مشاهدٌ في حياة الناس!.. مما يجعلهم حريصين على الدنيا، وقد ينسون الآخرة بسبب هذا التفاخر بينهم والتكاثر في الأموال والأولاد.

فجاء المثل القرآني يشبِّه إيثارهم للحياة الدنيا الفانية على الدار الآخرة الباقية بالغيث الذي أعجب الكفّارَ نباتُهُ، ثم يكون هشيماً فانياً.. ذلك أنَّ الزرّاع يكدون، ويكدحون، عادةً، في الفلاحة والغرس والبذر، ثم يأتي المطر فتؤتي زروعهم أكلها بإذن الله، ثم تأتي أوقات القطاف والحصاد، ثم يتوزع كل شيء على الاستعمال والاستهلاك ليصير، من بعدُ، حطاماً لا أثر له، وهذا في أحسن الأحوال.. أما إذا أراد الله تعالى غير ذلك، فقد تهيج الزروع والثمار، وتبدو في أحسن رونقها بما يعجب أصحابها، ثم يأتي ما يقضي عليها قبل أوانها، فتصفر، وتذبل وتموت، ثم تكون حطاماً لا نفع فيه.. هكذا شأن الحياة الدنيا، يصرف الاهتمامُ بمشاغلها الإنسانَ عن التفكير بأنَّ له أجلاً موقوتاً، لا بد أنْ يحل به ساعة موته، تماماً كما هو الحال في الزرع الذي يصير حطاماً، ثم يتبدَّد فلا يبقى له أثر.. ولكنَّ الأمر لا يقف عند نهاية هذه الحياة، بل هنالك الآخرة وفقاً لسنة الله تعالى في خلقه. وإنَّ في الآخرة عذاباً شديداً لمن آثر عليها الدنيا، فأبعدته عن طاعة ربّه ورضوانه.. وإنَّ في الآخرة مغفرةً من الله ورضواناً لأوليائه وأهل طاعته. فالدارُ الآخرة هي الحيوان، أي الحياة الدائمة، لأنها لا تنتهي كما تنتهي هذه الحياة الدنيا، ولا تصير إلى عدمٍ كـالنبات الذي صار حطاماً تذروه الرياح، بل هي حساب وجزاء، ثم ديمومةٌ وأبدية..


وما هذه الحياة الدنيا - بما فيها من اللذة واللهو، وبما فيها من التفاخر بين الناس، والتكاثر في الأموال والأولاد - إلا متاعٌ خادعٌ، وغرورٌ وجهلّ، إن لم تكن محصلةُ الأعمال فيها موصلةً إلى الفوز بالآخرة.. وهذا ما يريد المثل القرآنيّ أنْ يصحِّحه في أذهان الناس، ويربّي نفوسهم على الحقائق التي تبعدهم عن الغرور الخادع، والتفاخر الزائل، والتكاثر الفاني .

بهذه الحكمة العالية أشرَبَ القرآن نفوس أهله خصلتين ساميتين، أولاهما: ترك الدنيا لعشاقها، وثانيتهما: أخذ ما يقيِّم أَوَدَ حياتهم منها، ويحميهم من الوقوع في أسر جاذبيتها. وقد سار المسلمون على هذا المفهوم، فظهر على حركاتهم وسكناتهم - في أكثرهم - وأسسوا على قاعدته بناءَ أمةٍ فاضلة، قامت على أعدل الأُسُسِ وأفضلها ، حتى قال اللَّهُ تعالى فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

 

مسلمة

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع