الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
المأساة الرهيبة لنساء وأطفال الروهينجا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المأساة الرهيبة لنساء وأطفال الروهينجا

(مترجم)

 

لفتت مؤخرا مأساة الروهينجا المسلمين أنظار العالم مع ورود التقارير تترى موثقة بصور لآلاف اللاجئين المرضى والجوعى الهائمين في مياه بحر أندامان والمياه القريبة منه. لقد أفزعت الصور المنقولة الكثيرين في العالم، عندما رأوا الأطفال والنساء والرجال البائسين والضعفاء على متن قوارب مهترئة يبعدون عن شواطئ الدول التي فروا إليها ليحتموا من هول معاناتهم في بلادهم. مرةً أخرى ركزت هذه المناظر الانتباه العالمي لحجم الاضطهاد الذي يعاني منه الروهينجا المسلمون في بورما. الذين يعتبرون بدون جنسية، بعد أن صدر قانون الجنسية البورمي لعام 1882 واعتبرهم غير رعايا في بلدهم التي عاشوا فيها هم وأجدادهم لأجيال طويلة. لقد تكثف الاضطهاد إلى أن وصل إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة ولقد طال النساء والأطفال وحتى الرضع.


في العام الماضي تم توثيق شهادات عيان من قبل جماعة حقوقية في إقليم أراكان، ورد فيها ذبح العشرات من النساء والأطفال في قرية دو تشار يارتان غرب الإقليم على أيدي عصابات البوذيين. الذين كشفوا عن المذبحة وجدوا 10 رؤوس على الأقل لجثث الروهينجا في خزانات للمياه، وما هذه الحادثة إلا طرف جبل الجليد لما يعانيه الروهينجا المسلمون على أيدي أجهزة الأمن البورمية والبوذيين بأساليب ممنهجة ووحشية تقشعر لها الأبدان، في حملة تطهير عرقي فظيع. بيوت المسلمين تدمر وتقتحم من قبل رجال مسلحين، يتعرضون للضرب والاختطاف، ولقد انتشرت حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب بحق بناتنا وأخواتنا من الروهينجا مما اضطرهم لأن يدفعوا بناتهم ونساءهم للهجرة لدول مثل ماليزيا. ولقد ورد في تقرير لمنظمة حقوق الإنسان أن الروهينجا يجبرون على مغادرة البلاد على أيدي رجال مسلحين. روت ياسمين 13 عاماً، لمنظمة حقوق الإنسان "أن حوالي 12 رجلاً مسلحاً جاؤوا لمنزلها في إقليم أراكان وأجبروها على مغادرة ميانمار. تقول لقد جروني إلى القارب، وكان بحوزتهم عصي، وهددوني بالضرب، صرخت وبكيت عالياً. كان أبواي ينوحان، لكنهما لم يستطيعا أن يفعلا شيئاً. لقد ذهبت إلى القارب مع ثلاثة رجال" وكل هذا يحدث بالتواطؤ مع نظام ميانمار المجرم، هذا النظام الذي ما زال يكثف من حجم الاضطهاد والظلم ضد الروهينجا المسلمين، ولقد وضع سياسات قاسية وقيوداً فظيعة عليهم، شملت منعهم من حرية التنقل بين قراهم، وحرمانهم من أبسط الحقوق مثل العمل، والطعام، والتعليم والرعاية الصحية. كما ويجب عليهم أن يحصلوا على موافقة الحكومة ودفع مبالغ طائلة من أجل السماح لهم بالزواج. وقد صدر مؤخراً قانون جديد بحقهم، وهو قانون "تحديد النسل الصحي" الذي يحدد فيه عدد الأطفال الذين يسمح لأخواتنا إنجابهم. لهذه الأسباب والأوضاع القاسية والصعبة والرهيبة قرر الروهينجا الهجرة عبر البحار على متن قوارب مهترئة ومزدحمة في رحلة محفوفة بالمخاطر على أمل العثور على مأوى وحياة جديدة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل ماليزيا وإندونيسا وبنغلادش.


وفي خضم هذا، وكما نعلم، فقد وقع العديد من إخواننا وأخواتنا في قبضة المهربين الذين استغلوا مأساتهم ومعاناتهم، وانتهى بهم الأمر في بعض الحالات للحبس في مخيمات للمهربين تعرضوا أثناء وجودهم فيها للتجويع والاغتصاب. وقد روت بعض النساء المسلمات من الروهينجا الفارين من هذه المخيمات، كيف تم استغلال النساء والبنات كعبيد للجنس على أيدي الحراس. قالت نور عبد الشكور، 24 عاماً، حيث كانت سجينة على مدى 8 أيام مع رضيعها في مخيم التهريب، أنه كان يتم اغتصاب المسلمات من الروهينجا بشكل جماعي، ونتيجة لذلك فقد حملت بعض النساء، وقالت أيضاً أنه كانت تؤخذ النساء لأيام عديدة لغرض الاغتصاب من قبل المهربين. وبالنسبة للعديد من الروهينجا فقد أصبحت هذه المخيمات قبوراً، في الشهر الماضي تم العثور على 140 قبراً على أيدي السلطات الماليزية على الحدود مع تايلاند، يعتقد أنها قبور تحوي جثثاً للروهينجا المسلمين الذين ماتوا جوعاً ومرضاً بانتظار تحريرهم. وفي شهر نيسان/أبريل تم العثور على قبر جماعي في مخيم للتوقيف في تايلاند، يعتقد أنه حوى جثث المهاجرين من الروهينجا.


النساء والأطفال الفارّون من هذه المخيمات ينتهي بهم الأمر على متن قوارب الموت، وهي أشبه ما تكون "بتوابيت عائمة"، مسافرين على مدى أشهر مع القليل من الطعام والماء في ظروف رهيبة، ويتعرضون أيضاً للضرب والاغتصاب على أيدي المهربين. إحدى الأخوات، رشيدة، أرملة في الخامسة والعشرين من عمرها، روت أنها صعدت على متن القارب بصحبة ولديها الصغار وابنتها ذات الشهور التسعة، وقالت أنها بقيت على القارب لساعات طويلة تحت الحر الخانق وقدماها ملتصقات بظهر المرأة التي تجلس أمامها. قالت "أنه ذات مرة كان الطاقم يأكل أرزاً فبدأ ابني في البكاء يريد المزيد من الطعام، غضب الطاقم وحرقوا ذراع ابني بأعقاب السجائر". وأضافت أنها رأت جثتين ألقيتا عن ظهر قارب آخر في البحر. لقد قضى المئات في رحلة الموت هذه طلباً للمأوى بما فيهم النساء والأطفال.


أيتها الأخوات: هؤلاء الرجال والنساء والأطفال الجوعى والمرضى والبائسون والمعذبون هم من طردتهم الحكومات الماليزية والإندونيسية ومنعتهم من النزول على شواطئها لأسابيع عديدة، هذه الحكومات بالذات هي من ظن الروهينجا فيهم خيراً لإنقاذهم من معاناتهم لأنهم إخوانهم في الدين. هذا الدين الذي فر هؤلاء من بلدهم من أجله. كم هو مخز للغاية أن سعت هذه الحكومات لطرد هؤلاء المسلمين ومنعهم من دخول البلاد. أنه يبرهن عن نيتهم لأن يغمضوا أعينهم عن الوحشية والاضطهاد الذي يتعرض له إخوانهم وأخواتهم في العقيدة من الروهينجا على أيدي النظام البورمي والمتطرفين البوذيين. في البداية أعلنت الحكومة الماليزية أنها لن تقبل باللاجئين بسهولة وقالت أنه إذا دخل أي شخص إلى البلاد بشكل غير قانوني سوف يعتقل، ويحاكم ويطرد إلى المياه الدولية أو إلى بلده الأصلي. ولكن بعد الضغط المحلي والعالمي وافقت ماليزيا على السماح بالدخول لبضعة آلاف من العالقين في البحار، ومنحهم ملجئاً مؤقتا. ويعتقد أنه ما زال هناك ما يقارب 2500 إنسان من الروهينجا في عرض البحر على متن قوارب الموت، ومعهم مؤنٌ آخذة بالنفاد نتيجة لقلة الجهد المبذول من الحكومات المحيطة للعثور عليهم وإنقاذهم.


أخواتي العزيزات: إن الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومتان الإندونيسية والماليزية من إعطاء 7 آلاف روهينجيا حق اللجوء السياسي لمدة عام واحد لا يقدم سوى القليل من الراحة لإخواننا وأخواتنا. ماذا بالنسبة للآلاف من المسلمين الذين يفرون من بورما كل شهر نتيجة الاضطهاد؟ ماذا بالنسبة للسبعة آلاف الذين أعطوا اللجوء لعام واحد والذين يتوقع أن يُعادوا إلى المياه الدولية أو العودة إلى التعذيب والاضطهاد في بورما؟ وماذا بالنسبة للروهينجا المسلمين الذين مضى على وجودهم في ماليزيا سنين طويلة وما زالوا يعاملون كمهاجرين غير شرعيين ويمنعون من الحصول على وظائف لائقة أو تعليم حكومي أو رعاية صحية، مما يضطرهم إلى العمل كالعبيد في المزارع أو غيرها، أو حتى التوسل في الشوارع للبقاء على قيد الحياة. كم هذا فظيع والحق سبحانه يقول ﴿إِنَّمَا ٱلمُؤمِنُونَ إِخوَةٌ﴾ [الحجرات: 15]. ويقول رسول الله ﷺ «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه».


الأخوات الكريمات... يجب أن لا نضع ثقتنا في منظمة دول جنوب شرق آسيا لحل أزمة أطفال ونساء الروهينجا. لقد حاولت ماليزيا، البلد المضيف لمؤتمر المنظمة لهذا العام، حاولت نيل العطف من أعضاء المنظمة لمساعدتها في معالجة الأزمة. ولكن هذا الهدف مستحيل لأن من مبادئ هذه المنظمة هو عدم التدخل في الأمور الداخلية للدول الأعضاء. ولكن في الحقيقة إن هذه المنظمة قد وقعت عام 2009 على تأسيس لجنة تدخل من أجل حماية حقوق الإنسان. ونص دستورها على أن المنظمة تحمي حقوق الإنسان وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار في جنوب شرق آسيا. والواقع أن هذا الكلام هو حبر على ورق، مع غياب الإرادة السياسية أو الوسائل العملية التي تستطيع من خلالها إجبار الدول على تبني مثل تلك الحقوق الإنسانية، والدليل أنه لم يحصل حتى الآن أي جهد جاد من الدول الأعضاء في المنظمة لوقف مأساة الروهينجا المسلمين. ومؤخرًا أثناء عقد مؤتمر المنظمة، قامت ميانمار بتقديم قانون تحديد النسل الصحي، الذي يضع قيودا على الإنجاب عند الروهينجا، ومع أن هذا القرار واجه المعارضة، إلا أن ميانمار ماضية في تطبيقه، وما زالت المنظمة عاجزة عن منع ميانمار من تطبيق سياسات اضطهادية أخرى مثل قانون "حماية العرق والدين" الذي وافق عليه البرلمان البورمي، والذي يحظر تغيير الدين وتعدد الزوجات وغيرها من الممارسات التي تؤثر على المسلمين. لقد فشلت الدول الأعضاء في المنظمة في اجتماعها في تايلاند يوم 29 أيار/مايو على إجبار ميانمار تحمل مسوؤلية سيل المهاجرين من أراضيها نتيجة لسياستها الاضطهادية ضدهم. إذا كانت هذه هي الحالة، فكيف تتوقع المنظمة وأعضاؤها أن توقف بورما اضطهادها وظلمها للأقلية المسلمة عندها؟! بالرغم من كل هذا الاضطهاد للروهينجا، فقد أُعطيت بورما زعامة منظمة دول جنوب شرق آسيا لعام 2014. في الواقع إن هذه المنظمة هي هيكل هش لا يستطيع القيام بأي شيء لمساعدة الروهينجا وإنهاء معاناتهم، فما هي إلا أداة في يد الغرب لتطبيق أجنداتهم الاقتصادية ورعاية مصالحهم في المنطقة.


أيتها الأخوات: إن أخواتنا الروهينجا وأطفالهن لا يحتجن فقط لحماية مؤقتة أو لمساعدات إنسانية. إنهن بحاجة للحماية والأمن والحقوق والعيش الكريم، مثلهن مثل أي إنسان آخر على وجه الأرض. إنهن بحاجة إلى مسح دموعهن ونسيان معاناتهن الطويلة وللأسف فإن هذا لن يحدث ولن يتحقق على أيدي منظمة جنوب شرق آسيا أو أي كيان غربي آخر. إنه واجبنا نحن المسلمين، حماية إخواننا وأخواتنا وهو فرض علينا بوصفنا مؤمنين أن نحميهم وندافع عنهم ونرفع الظلم عنهم. قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

 

سمية عمار
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير / ماليزيا

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع