الثلاثاء، 22 صَفر 1446هـ| 2024/08/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
خيانة عظمى ارتكبها حكام الأمة الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خيانة عظمى ارتكبها حكام الأمة الإسلامية

 

في مثل هذه الأيام من حزيران عام 1967، تواطأ حكام المسلمين جميعاً على ذبح الأمة وتشريدها وتهجيرها باسم المقاومة والممانعة! باسم التحرير والوحدة! باسم الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة التي زعموها!


في مثل هذه الأيام سَكِرَ قادة العسكر وعربدوا وانغمسوا في غضب الله، كيف لا وحكامهم آنذاك هم عبد الناصر وبعث العراق وبعث سوريا وحسين الإنجليز وآل سعود وآل الصباح وآل مكتوم وآل خليفة والقذافي والحسن وبورقيبة وبومدين! حثالات لم يكن يوماً همهم لا فلسطين ولا كرامة ولا مقاومة ولا تحرير. ذرية بعضها من بعض رضعت الخيانة كابراً عن كابر وتربت على موائد أمريكا وإنجلترا فعاثت في بلادنا فساداً وإجراماً.

قام عبد الناصر وحافظ الأسد والملك حسين بتسليم البلاد والعباد ليهود، أما مكافأة حافظ أسد على هذه الخيانة فكانت بأن أطلق الغرب يده على كل الشام! أما الأمة المكلومة فقد أصابتها الغشاوة على أعينها فلم تعد تبصر طريقها وضاعت بين أكاذيب ناصر وترهات البعث.


ثمان وأربعون سنةً كان لا بد أن تضيع من عمر الأمة وأن تدفع خلالها من قوتها وثرواتها وحياتها وشبابها ثمناً لوعيها كي تقتنع بصدق دعوة حزب التحرير، الخلافة، الحزب الذي كشف للمسلمين عمالة عبد الناصر لأمريكا من أيامه الأولى وأنها أتت به لتثبيت كيان يهود ولتمزيق الأمة، كما كشف لها البعث وفراخه العملاء وأن إنجلترا أسسته ووضعت فيه رجالات منها وتسللت إليه أمريكا فكان لها فيه أيضاً عملاء. تقاذفوا جميعاً سوريا كالكرة فيما بينهم، تارة انقلاب إنجليزي وتارة أمريكي، حتى نضجت الطبخة الأمريكية فصعد نجم حافظ الأسد واستلم الحكم.


لقد حذر حزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، الأمة منذ نشأته من خطورة ما يحدق بها من مؤامرات وأن مصيبتها في حكامها وأنهم خونة كاذبون يتشدقون بتحرير فلسطين وبالوحدة العربية وهم أكذب خلق الله بل هم العدو فاحذروه. ورحم الله العالم الفذ وحبر الأمة ومجدد دينها في القرن الأخير الشيخ تقي الدين النبهاني حين وصف سوريا تحت قبضة حافظ الأسد بكلمة جامعة نقلها لي من كان قريباً منه آنذاك حين قال: "سوريا تعيش في كابوس رهيب لم يمر عليها من قبل ولا منقذ لها منه إلا الله".


ودارت الأيام والشهور والسنون وتحول الأرنب الوديع رويداً رويداً إلى وحش مفترس، والغريب أنه افترس شعبه الذي حمله على أكتافه وذبح له الذبائح في القطر طولاً وعرضاً وناداه في الشوارع والساحات بالروح بالدم نفديك يا حافظ. افترسهم في حماة وحلب، في دمشق وحمص، في دير الزور وتدمر، لم يبقِ ولم يذر، طحنهم طحناً، أذلهم في دينهم ومعاشهم، وأطلق كلبه المخلص رفعت الأسد ينهش من أعراضهم ويعتدي على حرماتهم ويتحداهم في أغلى ما عندهم. كيف ينسى أهل دمشق يوم نزع الحجاب أواخر شهر أيلول عام 1981م؟ أذكر أني كنت يومها راكباً في وسيلة النقل العامة (الباص) متوجهاً من ساحة الشهداء عبر حي الصالحية إلى منطقة الشيخ محي الدين وكان الجو صحواً والوقت يقترب من المغيب، وهو الوقت الذي تكتظ فيه الشوارع والأسواق بالناس، وفجأة لاحظنا جنوداً كثراً من سرايا الدفاع سيئ الصيت والسمعة وإلى جانبهم فتيات "مظليات" هكذا كانوا يسمونهن، يُهرعن صوب كل امرأة مرتدية غطاء الرأس فينزعنه عن رأسها طوعاً أو كرهاً، وكان كل من يدافع عن النساء يُضرب ضرباً مبرحاً أو يعتقل. اضطربت المدينة وتكهربت الأجواء، وكنت أتابع ومن معي في الباص تلك المناظر الرهيبة وكلنا في صدمة واندهاش من هول المفاجأة! ووضح فيما بعد أنه أمر دبر بليل. وعندما وصلت إلى حي الشيخ محي الدين لم يكن الناس هناك قد بلغهم ما يحدث في قلب العاصمة، فأخبرتهم وقلت لهم عليكم الدفاع عن أعراضكم، ومنطقة الشيخ محي الدين منطقة مكتظة بالسكان ومحافِظة، وخلال دقائق تجمع شباب الحي في الساحة وحملوا الهراوات وما معهم من سكاكين وتوزعوا على أبواب الحي ومداخله وأقسموا أنه لن يدخلها عليهم اليوم "كلب من كلاب السرايا" كما وصفوهم، وبالفعل بلغ النظام ما أعد أهل الحي لهم فابتعدوا ولم يدخلوا هذا الحي. ثم علمنا أن تجار سوق الحميدية قد قاموا بنفس الفعل فأغلقوا السوق ومنعوا الجنود أن يتعرضوا للنساء في السوق.


الشاهد في الأمر أن الناس حتى في خضم هذه الأحداث كانوا يحسنون الظن بهذا السفاح، فسرت الأقاويل أن حافظاً غضب من أخيه رفعت لما فعل وأنه، أي حافظ، شهم لا يقبل بهذه الأعمال، وأنه سيخطب غداً موضحاً ذلك، وربما يقيل شقيقه! هذه السذاجة من البسطاء، وما أكثرهم آنذاك، بددها ولله الحمد المجرم حافظ الأسد حين تحدث في خطابه في اليوم التالي لحادثة الحجاب عن اندفاع وعنفوان الشباب من أجل التغيير والتقدم وأنه يتفهم ما قامت به مجموعات سرايا الدفاع ومدحهم وأثنى عليهم.


ولعل من أبلغ الشهادات على الوضع المأساوي لدمشق في ظل نظام الأسد آنذاك ما ساقه الصحفي محمد علي الأتاسي ابن الرئيس الأتاسي الذي انقلب عليه حافظ الأسد، حين كتب: "حقيقة، لست أدري! عدا أن لا شيء آخر يفسر انكسار المدينة وهوانها، في حجابها كما في سفورها، سوى المأساة التي حدثت في شوارعها في عام 1981 عندما قرر رفعت الأسد من دون سابق إنذار، نشر وحدات من النساء المظليات برفقة قوات "سرايا الدفاع" في شوارع دمشق لإجبار النساء، كل النساء ومن جميع الأعمار، بقوة السلاح على نزع حجابهن أمام الملأ وفرض منعه في الشوارع".


نعم إنها حالة غياب الوعي السياسي عن الأمة، التي تجعلها تنظر فلا تبصر وتسمع فلا تفقه. لهذا أصدر حزب التحرير فوراً بياناً يفضحهم ويدينهم ويخاطب الأمة أن هؤلاء أعداؤها وأن سكوت الأمة على مفاسدهم هو الذي مكنهم منها وأنها إن تركتهم في غيهم فسيذلونها وينتقمون منها. وهذا ما حدث!


كانت هذه العقود الخمسة من حكم هؤلاء الطغاة مليئة بالدماء البريئة وكلها شهداء ومعتقلون ومغيبون حيث أفسح هذا الطاغية حافظ الأسد المجال للدولة العميقة أن تعبث بأرواح وأعراض وممتلكات الناس، فتحولت سوريا إلى سجن رهيب بالفعل لا أمل لها بالخروج منه بتاتاً. قتلوا الشجاعة والشهامة، وأعدموا المروءة والنجدة، وصار الملهوف مصيبة على من حوله وغدت المرأة تُضرب في الشوارع من رجالات الأسد وتصفع على وجهها ولا حامي لها ولا مدافع، وصارت المساجد محطات للأمن لا يبتعد عنها، بينما الملاهي والمراقص معالم للحرية والفحش. وكثرت السجون واضمحلت المدارس والجامعات، وغدت الشام غير الشام، جسداً بلا روح، يبكي عليها كل من زارها ويهرب منها كل مفكر أو مرهف الإحساس أو مشفق أو مخلص.


عاثوا في الأرض فساداً، أهانوا الكبير وأفسدوا الصغير وأصبح حافظٌ لشريحة من المجتمع رباً يعبد من دون الله، وانتشرت في آخر أيامه مقولة "يا الله حلك حلك يقعد حافظ محلك" والعياذ بالله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.


كان خبث حافظ الأسد عظيماً حيث امتص كل محاولة للحراك أو للثورة ضده بتنفيس أسبابها وكسب الوقت ثم الانقضاض على كل من ثار لتصفيتهم بهدوء. ومع أنه أورث أولاده بلداً عظيماً بثرواته ومقدراته وشعبه إلا أنه لم يورثهم خبثه بل حماقة ورعونة وغباء كانت باباً للأمل وأسباباً للتخلص منهم بتقدير من رب العباد لا غير.


لهذا نقول لكل من ثار وانتفض، ثم اتكأ وسكت، إن نسيت نذكرك، وإن صمتَّ نحدثك! فما زالت تلك الأيام من الظلم والجور تعيش بيننا ولم تنته بعد ولن تنتهي إلا بكنس الأنظمة المجرمة كلها من الساحة السياسية بما فيها من يتمسح بالإسلام وبالخلافة وهم أبعد الناس عنها، ثم إقامة النظام الإسلامي الذي يرضي رب العباد ويحيي النفس ويرعاها كما رعاها الخلفاء الراشدون بإذن الله.


﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس هشام البابا
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع